قلنا: المراد بقوله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ) التشبيه في أصل الضلال لا في مقداره، والثانى بيان لمقداره، وقيل: المراد من أول التشبيه في المقدار أيضاً ولكن المراد بالأول طائفه والثانى طائفه أخرى ووجه كونهم أضل من الأنعام أن الأنعام تنقاد لأربابها التى تعلفها وتتعهدها وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وهؤلاء لا ينقادون إلى ربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم مع إساءة الشيطان الذي هو عدو لهم ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشروع الهني والعذب الروي.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) كيف ذكر الصفه والموصوف مؤنث ولا يؤنثها كما أنثها في قوله: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) ؟
قلنا: إنما ذكرها نظراً إلى معني البلده وهو البلد والمكان لا إلى لفظها.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) إنزاله موصوفاً بالطهورية، وتعليل ذلك بالإحياء والسقي يشعر بأن الطهورية شرطاً في حصول تلك المصلحه، كما تقول حملنى الأمير