فإن قيل: ما وجه صحة الاستثناء في قوله تعالى:
(إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ....... الآية) ؟
قلنا: فيه وجوه: أحدها: أنه استثناء منقطع بمعنى لكن، الثانى: أنه استثناء متصل، كذا قاله الحسن وقتادة ومقاتل رضى الله عنهم، ومعناه إلا من ظلم منهم بارتكاب الصغيرة، كآدم ويونس وداود
وسليمان وأخوه يوسف وموسى وغيرهم عليهم السلام فإنه يخاف مما فعل مع علمه أنى غغور رحيم، فيكون تقدير الكلام إلا من ظلم منهم، فإنه يخاف فمن ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإنى غفور رحيم، ولهذا قال بعضهم: "إن " هنا وقف على قوله تعالى: (إلا من ظلم) وابتداء الكلام الثانى محذوف كما قدرنا، الثالث: أن إلا بمعنى ولا كما في قول تعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي ولا الذين ظلموا منهم.
الرابع: أن تقديره: أنى لا يخاف لدى المرسلون ولا غير المرسلين إلا من ظلم.
* * *
فإن قيل: كيف قال سليمان عليه السلام: (عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا) بنون العظمة، وهو من كلام المتكبرين؟
قلنا: لم يرد به نون العظمة، وإنما أراد به نون الجمع وعنى نفسه وأباه، الثانى: أنه كان ملكاً مع كونه نبياً فراعى سياسة الملك وتكلم بكلام الملوك.