قال ابن عباس رضى الله عنهما يريد ما جهلوه في الدنيا علموه في الآخرة، وقال اللدى: يريد اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكوا ولم يختلفوا، وقال مقاتل: يريد علموا في الآخرة ما شكوا فيه وعموا
عنه في الدنيا، وقوله تعالى: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا) معناه بل هم اليوم في شك من الساعة، (بل هم منها عمون) جمع عم: وهو أعمى القلب ومطابقة الاضراب الأول لما قبله، إن الذين لا يشعرون وقت البعث لما كانوا فريقين، فريق منهم لا يعلمون وقت البعث مع علمهم أنه يوجد لا محالة وهم المؤمنون، وفريق منهم لا يعلمون وقته لإنكارهم أصل وجوده، أفرد الفريق الثانى بالذكر بقوله تعالى: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) تأكيداً لنفى علهم بها
فى الدنيا كأنه قال تعالى: بل فريق منهم لا يعلمون شيئاً من أمر البعث في الدنيا أصلا، ثم أضرب عن الأخبار بتتابع علمهم وتلاحقه بحقيقة البعث في الآخرة، إلى الأخبار عن شكلهم في الدنيا في أمر
البعث والساعة ثم أضرب عنه إلى الإخبار عن عمى قلوبهم في أمر البعث والساعة مع قيام الأدلة الشرعية على وجودها لا محالة، وأما
وصفهم بنفى الشعور ثم بكمال العلم ثم بالشك ثم بالعمى فلا تناقض فيه لأختلاف الأزمنة أو لاختلاف متعلقات تلك الأمور الأربعة وهى الشعور والعلم والشك والعمى.
* * *
فإن قيل: قضاء الله تعالى وحكمه واحد فما معنى قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) وهو بمنزلة قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ)