فيهما نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى الكبر ولا من سعة إلى ضيق، ولا من ضيق إلى سعة،
وإنما أردت الأنشاء على تلك الصفات، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على ذات المصنوع الواحد من غير ترجيح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة وإذا أختارا الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف
المصنوع عن الجائز الآخر فجعل صرفه عنه كنقله منه.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى ﴿لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ بيان وتقرير لبروزهم في قوله تعالى ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ﴾ والله تعالى لا يخفى عليه شيء برزوا أو لم يبرزو؟
قلنا: معناه لا يخفى على الله منهم شيء في إعتقادهم أيضاً فإنهم كانوا في الدنيا يتوهمون أنهم إذا تستروا بالحيطان
والحجب لا يراهم الله، ويؤيده قوله تعالى ﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾
* * *
فإن قيل: كيف قال المؤمن في حق موسى عليه السلام: ﴿وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ مع أنه صادق في زعم
القائل لهذا القول، وفي نفس الأمر أيضاً، ويلزم من ذلك أن يصيبهم جميع ما وعدهم؟
قلنا: فيه وجوه:
أحدهما: أن لفظة "بعض" صلة، الثاني: أنها بمعنى كل كما في قول الشاعر: