ومستدلا به على علو منزلته في الدر الآخرة، وكل ذلك منهى عنه، وأما إذا قاله على وجه الشكر
والتحدث بنعمة الله فليس بمذموم ولا منهى عنه.
* * *
فإن قيل: كيف قال الله تعالى في الجملة الأولى: (فَأَكْرَمَهُ) ولم يقل في الجملة الثانية فأهانه؟
قلنا: لأن بسط الرزق إكرام لأنه إنعام وأفضال من غير سابقة وقبضه ليس بإهانة لأن ترك الإنعام والإفضال لا يكون إهانة بل هو واسطه بين الاكرام والاهانة، فإن المولى قد يكرم عبده وقد يهينه.
ولا يكرمه ولا يهينه، وتضييق الرزق ليس إلا عبارة عن ترك إعطاء القدر الزائد، ألا ترى أنه يحسن أن تقول زيد أكرمنى إذا أهدى لك هدية، ولا يحسن أن تقول أهاننى إذا لم يهد لك.
* * *
فإن قيل: كيف قال الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ) الانتقال والحركة على الله محالان لأنهما من خواص الكائن في جهة؟
قلنا: قال ابن عباس رضى الله عنهما، وجاء أمر ربك لأن في القيامة تظهر جلائل آيات الله تعالى، ونظيره قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) وقيل: معناه وجاء ظهور
ربك لضرورة معرفته يوم القيامة ومعرفة الشيء بالضرورة تقوم مقام ظهوره ورؤيته، فمعناه: زالت الشكوك وارتفعت الشبهه كما ترتفع عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه.