فإن قيل: هذه الآية تقتضى وجود فضله ورحمته المانع من إتباع
أكثر الناس الشيطان، مع أن الواقع خلافه، فإن أكثر الناس كفره، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " الإسلام في الكفر كالشعرة البيضاء
فى الثور الأسود"؟
قلنا: الخطاب في هذه الآية للمؤمنين لا لكل الناس.
* * *
فإن قيل: إذا كان الخطاب خاصاً للمؤمنين فما معني الاستثناء، فإنه
إن كان المراد به اتباعه فيما يدعو إليه ويوسوس من المعاصى فأكثر المؤمنين متبوعون له في ذلك ولو في العمر مرة واحدة في بعض
الكبائر، وإن كان المراد به اتباعه في دعائه إلى الكفر فأحد من
المؤمنين لم يتبعه في الكفر؟
قلنا: معناه ولولا فضل الله عليكم إيها المؤ منون ورحمته بالهداية
بالرسول لاتبعتم الشيطان في الكفر وعبادة الأصنام وغير ذلك إلا قليلا منكم كقيس بن ساعدة وورقة بن نوفل ونحوهما، فأنهم لولا
الفضل والرحمة بالرسول لما اتبعوا الشيطان لفضل ورحمة خصهم
الله تعالى بها غير إرسال الرسول وهو زيادة الهداية ونور البصيرة.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا).
مع أنه لاتفاوت بين صدق وصدق في كونه صدقاً كما في القول والعلم لا يقال هذا القول أقول، ولا هذا العلم أعلم ولا هذا الصدق أصدق لأن الصدق عبارة عن الإخبار المطابق للواقع، ومتى ثبت أنه مطابق للواقع لا
يحتمل الزيادة والنقصان؟
قلنا: أصدق هنا صفة للقائل لا صفة للقول، والقائلان متفاوتان


الصفحة التالية
Icon