واختلف من قال بهذا : هل كان للملكين تعليم الناس السحر أم لا على قولين : أحدهما : أن الملكين كانا يعلمان الناس السحر وينهيان عن فعله ليكون النهي عنه بعد العلم به لأن ما لا يعلم أنه سحر لا يمكن الاحتراز منه كالذي لا يعرف الكفر لا يمكنه الامتناع والثاني : أنه لم يكن للملكين تعليم السحر ولا إظهاره للناس لما في تعليمه من الإغراء بفعله ولأن السحر قد كان فاشياً فأهبط الملكان بمجرد النهي.
قال ابن بحر : جملة هذا أن تلا بمعنى : كذب.
يقال : تلا أي : كذب.
يقول : نبذ هذا الفريق كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا كذب الشياطين على ملك سليمان أنه كان بسحر.
وموضع ما في قوله وما أنزل على الملكين جر عطف على ملك سليمان.
أي : الشياطين كذبوا عليه وعلى ما أنزل.
قال : ومعنى أنزل على الملكين : أنزل معهما وعلى ألسنتهما كما قال الله تعالى : على رسلك أي : على ألسن رسلك ومعهم.
فلا يجوز أن يكون نصباً عطفاً على السحر لأن الإنزال على الملكين لا يكون إلا من الله تعالى والله لا يضاف إليه السحر وإنما يضاف إلى الكفرة وأوليائهم من الشياطين وهما نزلا بالنهي عن السحر فقالوا : نزلا بتعليمه.
وكان معنى الكلام : أن الشياطين يعلمان الناس السحر وأن الملكين لا يعلمان ذلك أحداً بل ينهيان عنه حتى يبلغ من نهيهما وصدهما عن تعلمه أن يقولا للمتعلم : إنما نحن فتنة فلا تكفر فإن كان من الملائكة فإنما يقولان ذلك للأنبياء ويقول الأنبياء لسائر البشر وإن كان من البشر قالا ذلك لكل واحد من البشر وذلك كما يقول الرجل : ما أمرت فلاناً بما فعل ولقد بالغت في نهيه حتى قلت له : إنك إن فعلت ذلك نالك كذا وكذا.
ووقع الاختصار بعد قوله : وما يعلمان فحذف : بل ينهيان ليستنبطه العلماء بالفكرة فيؤجروا.