ومثله :" وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم " إلى قوله :" بالبينات والزبر " حمله قوم على " من قبلك " لأنه ظرف وحمله آخرون على إضمار فعل دل عليه " أرسلنا ".
ومثله :" ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر " ف " بصائر " حال من " هؤلاء " والتقدير : ما أنزل هؤلاء بصائر إلا رب السموات والأرض جاز فيه ذا لأن الحال تشبه الظرف من وجه.
فأما قوله :" وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً " فقد تكلمنا فيه غير مرة في كتب شتى.
قال أبو علي : ينبغي أن يكون قوله " أو من وراء حجاب " إذا جعلت " وحيا " على تقدير أن يوحى كما قاله الخليل ما لم يجز أن يكون على أن الأولى من حيث فسد في المعنى يكون " من وراء حجاب " على هذا متعلق بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة ل " أن " الموصولة ب " يوحى " ويكون ذلك الفعل يكلم وتقديره : ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب فحذف يكلم لجرى ذكره أولا كما حذف الفعل في قوله :" كذلك لنثبت به فؤادك " لجرى ذكره والمعنى : كذلك أنزلناه وكما حذف في قوله :" الآن وقد عصيت ".
قيل : والمعنى الآن آمنت فحذف حيث كان ذكر " آمنت " قد جرى.
وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة لأنه بمنزلة المثبت وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة.
ولا يجوز أن يقدر تعلق " من " من قوله " من وراء حجاب " إلا بهذا لأنك إن قدرت تعلقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بأجنبي ولا يجوز أن يقدر فصل بغير هذا كما قدر في " أو " في قوله :" إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنه رجسٌ أو فسقاً " لأن هذا اعتراض يسدد ما قبله وأنت إذا قدرت " أو من وراء حجاب " متعلقا بشيء آخر كان فصلاً بأجنبي إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدد.


الصفحة التالية
Icon