قال أبو سعيد : وهذا مشبه الذي بدأت به في تفسيره إلا أنه متى جعلنا أحدهما شرطاً جاز أن يجعل الآخر جواباً فتدخل الفاء حيث جاز أن تكون جواباً كقولك : إن أعطيتني أحسنت وإن أحسنت أعطيت وإن يعط فإنه محسن وإن يحسن فإنه معط.
وقال غير الفراء في قوله :" هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش " وهذا يشبه الجواب الذي حكاه الفراء في قوله :" فجاءها بأسنا ".
وقالوا فيها جواباً آخر على جعل ثم للتقديم تقديره : هو الذي خلق السموات والأرض أي أخبركم بخلقهما ثم استوى ثم أخبركم بالاستواء.
ومثله :" اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم " أي : فأخبرهم بالإلقاء ثم أخبرهم بالتولي.
ومثله :" ثم استوى إلى السماء وهي دخان " وقد قال قبله :" قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وقال :" والأرض بعد ذلك دحاها " ثم يكون ثم استوى على الإخبار ويكون الدحو بعد وخلق الأرض قبل خلق السماء وقبل في قوله تعالى :" ثم تول عنهم فانظر " فليس التولي الانصراف وإنما معناه تنح عنهم بعد إلقاء الكتاب إليهم بحيث يكونون عنك بمرأى ومسمع فانظر ماذا يردون من جواب الكتاب.
وقيل في قوله تعالى :" والأرض بعد ذلك دحاها " أي : مع ذلك.
كما قال :" عتل بعد ذلك زنيم أي : مع ذلك.
وعكسه قوله تعالى :" إن مع العسر " أي : بعد العسر.
وأما قوله تعالى : لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى " أي : ثم دام وثبت على الاهتداء.
وهذا كقوله تعالى :" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين.
والمعنى في ذلك : الدوام على الإيمان والعمل الصالح لأن الإيمان الذي يحظر النفس والمال قد تقدم فيما ذكر في قوله تعالى :" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فقال بعد :" إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا ".


الصفحة التالية
Icon