وأما قوله تعالى :" فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " لا يخلو لا من أن يكون لتأكيد النفي كالتي في قولك : ما قائم زيد ولا عمرو.
فيفيد أن كل واحد منتف على حياله.
أو يكون لا نفيا مستأنفا.
فالدلالة على الوجه الأول أنك لو حملته على الوجه الثاني لم يجز حتى تكررها كما تقول : لا زيد عندك ولا عمرو.
فلما لم تكرر علمت أنها على الوجه الأول.
ولا يكون مثل : حياتك لا نفع وموتك فاجع.
لأن ذلك يقع في الشعر.
فأما قوله تعالى :" لا أقسم " فقيل : لا زائدة.
وقيل : لا رد لكلامهم : لا يبعث الله من يموت.
فقال : لا.
أي : ليس الأمر كما تظنون.
ومن ذلك قوله تعالى :" لئلا يعلم أهل الكتاب " قالوا : التقدير : ليعلم أهل الكتاب ولا زائدة.
أجمعوا على هذا غير ابن بحر فإنه زعم أن الأولى ألا يكون في كلام الله شذوذ وما يستغنى عنه.
والذي يوجبه اللفظ على ظاهره أن يكون الضمير في يقدرون للنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين.
والمعنى : لئلا يعلم اليهود والنصارى أن النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين لا يقدرون على ذلك وإذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون فقد علموا أنهم يقدرون عليه.
أي إن آمنتم كما أمرتم آتاكم الله من فضله فعلم أهل الكتاب ذلك ولم يعلموا خلافه.
والعلم في هذا ومثله يوضع موضع قال أبو سعيد السيرافي : إن لم تجعل لا زائدة جاز لأن قوله :" يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب " أي : يفعل بكم هذه الأشياء ليتبين جهل أهل الكتاب وأنهم لا يعلمون ما يؤتيكم الله من فضله لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم.
فعلى هذا لا يحتاج إلى زيادة لا.
قلت : وحمل ابن بحر زيادة لا على الشذوذ جهل منه بقواعد العربية.
وليس كل من يعرف شيئاً من الكلام يجوز له التكلم على قواعد العربية.


الصفحة التالية
Icon