وقدرت هذا العامل في الموضع الذي سميت الفعل به لم يتعلق به على حد تعلق الظرف في المعمولات بعواملها.
ألا ترى أنك إن علقته بها على أنه ظرف بطل أن يكون جملة وزال عنه معنى الأمر فإذا كان كذلك لم يتصل به بعد أن صار اسما للفعل كما كان يتصل به قبل.
وإذا لم يتصل به لم يكن معمولاً له ولم يجز أن يكون وهو اسم للفعل معرباً بالإعراب الذي كان يعرب به قبل.
ولا يجوز أيضاً أن يكون انتصابه بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل وذلك أنه بمنزلة الأمر وهو نفسه العامل كما أن أمثال الأمر نفس العامل وكما أنه لا عمل لشئ في أمثلة الأمر كذلك ما أقيم مقامه.
فإن قلت : إن الأفعال المضارعة عاملة في فاعليها ولم يمنعها ذلك من أن تكون معمولة لعوامل أخر فكذلك ما تنكر ألا يمنع كون مكانك ونحوه عاملاً في الفاعل المضمر فيه أن يكون هو نفسه أيضاً معمولاً لغيره كما لم يمنع المضارع أن يكون معمولاً لغيره وإن كان عاملاً في فاعله.
قيل : إن المضارع لما أشبه الأسماء ووقع موقعها في بعض المواضع تعرف للمشابهة التي بينه وبين الاسم على ما ذكر في مواضع ذلك.
وهذه الأسماء إذا سمي بها الفعل تخرج بذلك عن أن تقع مواقع الأسماء فوجب بناؤها لوقوعها موقع مالا يكون إلا مبنياً كما بني قولهم : فدى لك في قوله : مهلاً فداء لك يا فضاله أجره الرمح ولا تهاله لما وقع موقع الأمر وكما بني المضارع في قول أبي عثمان لما وقع موقع فعل الأمر.
كذلك بني دونك وحذرك ونحوه لوقوعه موقع فعل الأمر ألا ترى أنهم بنوا رويد في هذا الباب مع أنه مصغر.
فما عداه من هذه الأسماء أجدر بالبناء.
وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعرب مكانك بإعراب بعد ما سمي به الفعل فإذا لم يجز أن يتعرب بما كان متعرباً قبل أن سمي به الفعل ولم يجز أن يعرب بشئ بعدما سمي به ثبت أنه غير معرب.
وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش.


الصفحة التالية
Icon