فمن ذلك قوله تعالى "اهدنا الصراط المستقيم" والتقدير اهدنا إلى الصراط، فحذف إلى، دليله قوله تعالى "وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم"، وقوله تعالى "ويهديهم إليه صراطاً"؛ لأن العرب تقول هديته إلى الطريق؛ فإذا قال هديته الطريق، فقد حذف إلى ومن ذلك قوله تعالى "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن" أي بأن لهم، فحذف الباء وانتصب أن على مذهب سيبويه، وبقي الجر عند الخليل والكسائي وحجاجهم مذكور في الخلاف وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله "ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً" في بني إسرائيل والكهف، دليله ظهوره في قوله تعالى "بشر المنافقين بأن لهم" وقوله "يبشرهم ربهم برحمة منه"، وقوله "فبشرناها بإسحاق"، وقوله "بشرباك بالحق" وقوله "يبشرك بيحيى" وقوله "لتبشر به المتقين" ومن ذلك قوله تعالى "إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها" أي لا يستحيى من ضرب المثل، فحذف من ويكثر حذف المثل لجر من أن ويقل مع المصدر؛ يحسن أن يضرب والتقدير من أن يضرب، ولا يحسن حذف من ضرب وأما قوله بعوضة فقيل التقدير أن يضرب مثلاً ببعوضة، وما صلة زائدة، فحذف الباء وقيل أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فما فوقها عن الفراء فحذف بين وقيل ما، نكرة في تقدير شئ، و بعوضة بدل منه وقال أبو علي، في معنى الآية لا يجوز في القياس أن يريد أصغر منها وقد حكى عن الكلبي أنه يريد دونها وقال ابن عباس فما فوقها الذباب فوق البعوضة، وهو الحسن قال أبو علي وإنما يجوز هذا في الصفة، هذا صغير وفوق الصغير، وقليل وفوق القليل، أي جاوز القليل فأما هذه نملة وفوق النملة، وحمار وفوق حمار؛ يريد أصغر من النملة ومن الحمار، فلا يجوز ذلك؛ لأن هذا اسم ليس فيه معنى الصفة التي جاز فيها ذلك