وكما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره، أن النبي ﷺ قال:"فضل القرآن على سائر الكلام، كفضل الله تعالى على خلقه"(١).
إذًا فكون القرآن كلام الله، فهذا يغني عن تعداد خصائص القرآن وفضائله ومزاياه، لكن أجدني مضطرًّا إلى أن أشير إلى ثلاث خصائص لهذا القرآن؛ لابد من ذكرها في مطلع هذه الرسالة:
الخاصية الأولى: الحفظ:
قال تعالى: (إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: ٩].
لقد قيَّض الله تعالى للقرآن منذ نزل من يحفظه من الصحابة ومن بعدهم في الصدور وفي السطور، وبلغت عناية المسلمين بالقرآن الكريم، وتدوينه، وكتابته، وحفظه، وضبطه شيئًا يفوق الوصف، حتى إن جميع حروف القرآن وكلماته مضبوطة محفوظة بقراءاتها المختلفة لا يزاد فيها ولا ينقص.
وقد ذكر بعض المفسرين -كالقرطبي وغيره- قصة طريفة تتعلق بحفظ القرآن الكريم.
وذلك أنه كان للمأمون -وهو أمير إذ ذاك- مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الرائحة، فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون، فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم، قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده، فقال: ديني، ودين آبائي، وانصرف.

(١)... أخرجه الدارمي (٣٣٩٩)، وعبد الله بن أحمد في السنة (١٢٨)، والترمذي (٢٩٢٦)، والبيهقي في شعب الإيمان (٢٠١٥)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. اهـ، وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (٨/١٩٧): قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: رجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعف اهـ. قلت: وفي سنده محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني وهو أيضًا ضعيف. قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته: قال الذهبي: حسَّن الترمذي حديثه فلم يَحسُن. اهـ.


الصفحة التالية
Icon