ثم أخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعتُه، ولقد سمعتُ رجالاً من أهل العلم يذكرون: أن الناس -إلا من ذكرت عائشةُ ممن كان يهل بمناة- كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة، وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) الآية.
قال أبو بكر: فأسمعُ هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما؛ في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت"(١).
إذن الآية نزلت لأمرين: الأول: لتقول للأنصار: طوفوا بين الصفا والمروة خلافًا لما كنتم تفعلونه في الجاهلية يوم أن كنتم تُهلُّون لمناة.
والثاني: لتقول للمهاجرين ولسائر المسلمين: طوفوا بالصفا والمروة وإن كنتم تطوفون بهما في الجاهلية؛ لأن هذا من شعائر الله، وليس من عادات الجاهلية.
فمعرفة سبب النزول هاهنا تبيِّن معنى الآية بيانًا شافيًا.
ب- قوله تعالى: (لَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَبتَغُوا فَضلاً مِن رَبِّكُم فَإِذَا أَفَضتُم مِن عَرَفَاتٍ فَاذكُرُوا الله عِندَ المَشعَرِ الحَرَامِ) [البقرة: ١٩٨]، ما هو المقصود بالفضل؟ يحتمل أن يكون هو الذكر، والدعاء، والأجر... والآية شاملة جامعة لهذا كله، لكن من معاني الفضل التجارة في الحج.