سُورَةً لِكَوْنِهَا قِطْعةً مِنَ الْقُرْآنِ وَجُزْءًا مِنْهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَسْآرِ الْإِنَاءِ وَهُوَ الْبَقِيَّةُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ أَصْلُهَا مَهْمُوزًا، وَإِنَّمَا خُفِّفَتْ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ وَاوًا لِانْضِمَامٍ مَا قَبْلَهَا. وَقِيلَ: لِتَمَامِهَا وَكَمَالِهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ يُسَمُّونَ النَّاقَةَ التَّامَّةَ سُورَةً.
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَمْعِ وَالْإِحَاطَةِ لِآيَاتِهَا كَمَا سُمِّي سورُ الْبَلَدِ لِإِحَاطَتِهِ بمنازِلِه ودُورِه، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَمْعُ السُّورَةِ سُوَرٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَقَدْ تُجمع (١) عَلَى سُورَاتٍ وسُوْرَات.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَمِنَ العلامَةِ عَلَى انْقِطَاعِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا عَنِ الَّذِي بَعْدَهَا وَانْفِصَالِهِ، أَيْ: هِيَ بَائِنَةٌ مِنْ أُخْتِهَا. قَالَ (٢) اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٤٨]، وَقَالَ النَّابِغَةُ:
تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرفْتُها | لستَّةِ أعوامٍ وَذَا العامُ سابعُ |
وَقِيلَ: لِأَنَّهَا جماعةُ حروفٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أَيْ: بِجَمَاعَتِهِمْ. قَالَ الشَّاعِرُ (٤)
خَرَجْنَا مِنَ النَّقبين لَا حَىَّ مِثلُنا | بِآيَتِنَا نزجِي اللقاحَ المَطَافِلا |
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَأَصْلُهَا أَيَيَة مِثْلُ أَكَمَة وشَجَرَة، تحرَّكت الياءُ وافتتح مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَتْ آيَةً، بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا مَدَّةٌ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: آيِيَة عَلَى وَزْنِ آمِنة، فَقُلِبت أَلِفًا، ثُمَّ حُذفت لِالْتِبَاسِهَا.
وَقَالَ الفَرَّاء: أَصْلُهَا أَيَّة -بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ-فَقُلِبَت الْأُولَى أَلِفًا، كراهيةَ التَّشْدِيدِ فَصَارَتْ آيَةً، وجمعُها: آىٌ وآياىٌ وآياتٌ.
وَأَمَّا الْكَلِمَةُ فَهِيَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْلُ: مَا وَلَا وَلَهُ وَلَكَ، وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ. وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ (٥) عَشْرَةَ أَحْرُفٍ: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾ [النُّورِ: ٥٥]، وَ ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ [هُودٍ: ٢٨]، ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ [الْحِجْرِ: ٢٢]، وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ آيَةً، مثل: والفجر، والضحى، والعَصْر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم -فِي قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ- وَ ﴿حم عسق﴾ عِنْدَهُمْ كَلِمَتَانِ. وَغَيْرُهُمْ لَا يُسَمِّي هَذِهِ آيَاتٍ بَلْ يَقُولُ: هِيَ فَوَاتِحُ السُّوَرِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو الدَّانِيُّ: لَا أَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ وَحْدَهَا آيةٌ إِلَّا قَوْلُهُ: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ [الرَّحْمِنِ: ٦٤]. آخر المقدمة
(٢) في ط: "ومنه قول".
(٣) البيت في تفسير القرطبي (١/ ٦٦).
(٤) البيت لبرج بن مسهر الطائي، وهو في تفسير القرطبي (١/ ٦٦).
(٥) في ط: "تكون".