يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" (١)، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَوْجَبَهَا عِنْدَ الذِّكْرِ هَاهُنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا مُطْلَقًا، وَكَذَا تُسْتَحَبُّ عِنْدَ الذَّبِيحَةِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَأَوْجَبَهَا آخَرُونَ عِنْدَ الذِّكْرِ، وَمُطْلَقًا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي فَضْلِ الْبَسْمَلَةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَتَيْتَ أَهْلَكَ فَسَمِّ اللَّهَ؛ فَإِنَّهُ إِنْ وُلِدَ لَكَ وَلَدٌ كُتِبَ لَكَ بِعَدَدِ أَنْفَاسِهِ وَأَنْفَاسِ ذُرِّيَّتِهِ حَسَنَاتٌ" وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا رَأَيْتُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا وَلَا غَيْرِهَا.
وَهَكَذَا تُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْأَكْلِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَبِيبِهِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: "قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" (٢). وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَوْجَبَهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَكَذَلِكَ تُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْجِمَاعِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا" (٣).
وَمِنْ هَاهُنَا يَنْكَشِفُ لَكَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ النُّحَاةِ فِي تَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْبَاءِ فِي قَوْلِكَ: بِاسْمِ اللَّهِ، هَلْ هُوَ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ مُتَقَارِبَانِ وَكُلٌّ قَدْ وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ؛ أَمَّا مَنْ قَدَّرَهُ بِاسْمٍ، تَقْدِيرُهُ: بِاسْمِ اللَّهِ ابْتِدَائِي، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هُودٍ: ٤١]، وَمَنْ قَدَّرَهُ بِالْفِعْلِ [أَمْرًا وَخَبَرًا نَحْوَ: أبدَأ بِبِسْمِ اللَّهِ أَوِ ابْتَدَأْتُ بِبِسْمِ اللَّهِ] (٤)، فَلِقَوْلِهِ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [الْعَلَقِ: ١] وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا بُدّ لَهُ مِنْ مَصْدَرٍ، فَلَكَ أَنْ تُقَدِّرَ الْفِعْلَ وَمَصْدَرَهُ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْفِعْلِ الَّذِي سَمَّيْتَ قَبْلَهُ، إِنْ كَانَ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ قِرَاءَةً أَوْ وُضُوءًا أَوْ صَلَاةً، فَالْمَشْرُوعُ ذِكْرُ [اسْمِ] (٥) اللَّهِ فِي الشُّرُوعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا وَاسْتِعَانَةً عَلَى الْإِتْمَامِ وَالتَّقَبُّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ وَلِهَذَا رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ عُمَارة، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ (٦) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ قُلْ: أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ: قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، يَقُولُ: اقْرَأْ بِذِكْرِ اللَّهِ رَبِّكَ، وَقُمْ، وَاقْعُدْ بِذِكْرِ اللَّهِ. [هَذَا] (٧) لَفْظُ ابْنِ جَرِيرٍ (٨).
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الِاسْمِ: هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرُهُ؟ فَفِيهَا لِلنَّاسِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
[أَحَدُهَا: أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَسِيبَوَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَابْنُ فُورَكٍ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ -وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ خَطِيبِ الرَّيِّ-فِي مُقَدِّمَاتِ تفسيره:
(٢) صحيح مسلم برقم (٢٠٢٢) وهو في صحيح البخاري برقم (٥٣٧٦).
(٣) صحيح البخاري برقم (١٤١) وصحيح مسلم برقم (١٤٣٤).
(٤) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(٥) زيادة من جـ، ط، ب.
(٦) في جـ: "على رسوله".
(٧) زيادة من جـ.
(٨) تفسير الطبري (١/١١٧) وفي إسناده ضعف وانقطاع تقدم بيانه.