[الْأَعْرَافِ: ١٣] وَالصَّغَارُ: هُوَ الذُّلُّ. قَالَ: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْقَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَنَّ بَنِي آدَمَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، فَقَالُوا (١) ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ قَالَ اللَّهُ: ﴿يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ قَالَ: قَوْلُهُمْ: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ فَهَذَا الَّذِي أَبْدَوْا "وَأَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ" يَعْنِي: مَا أَسَرَّ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكِبْرِ.
فَهَذَا الْإِسْنَادُ إِلَى هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مَشْهُورٌ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّي وَيَقَعُ فِيهِ إِسْرَائِيلِيَّاتُ كَثِيرَةٌ، فَلَعَلَّ بَعْضَهَا مُدْرَج (٢) لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابَةِ، أَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحَاكِمُ يَرْوِي فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ أَشْيَاءَ، وَيَقُولُ: [هُوَ] (٣) عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.
وَالْغَرَضُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ دَخَلَ إِبْلِيسُ فِي خِطَابِهِمْ؛ لِأَنَّهُ -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عُنْصرهم -إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَدْ (٤) تشَبَّه بِهِمْ وَتَوَسَّمَ بِأَفْعَالِهِمْ؛ فَلِهَذَا دَخَلَ فِي الْخِطَابِ لَهُمْ، وَذُمَّ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ. وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ إِنَّ -شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الْكَهْفِ: ٥٠].
وَلِهَذَا قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلَّادٍ، عَنْ (٥) عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ الْمَعْصِيَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ اسْمُهُ عَزَازِيلُ (٦)، وَكَانَ مِنْ سُكَّانِ الْأَرْضِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلَائِكَةِ اجْتِهَادًا، وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا؛ فَذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى الْكِبْرِ، وَكَانَ مِنْ حَيٍّ يُسَمَّوْنَ جِنًّا.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ خَلَّادٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ -أَوْ مُجَاهِدٍ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ غَيْرِهِ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ (٧) بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ -يَعْنِي: ابْنَ الْعَوَّامِ -عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ اسْمُهُ عَزَازِيلُ (٨)، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ ذَوِي الْأَجْنِحَةِ الْأَرْبَعَةِ، ثُمَّ أَبْلَسَ بَعْدُ.
وَقَالَ سُنَيْد (٩)، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ (١٠) إِبْلِيسُ مِنْ أَشْرَافِ (١١) الْمَلَائِكَةِ وَأَكْرَمُهُمْ قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ الْأَرْضِ.
وَهَكَذَا رَوَى الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَوَاءً.
وَقَالَ صالح مولى التَّوْأمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَبيلا يقال لهم: الجن، وكان إبليس

(١) في أ، و: "فقالوا له".
(٢) في ب: "مدرجا".
(٣) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٤) في جـ: "قد كان".
(٥) في جـ، ط، ب: "خلاد بن".
(٦) في جـ، ط، ب: "عزرائيل".
(٧) في ب: "سعد".
(٨) في جـ: "عزرائيل".
(٩) في جـ: "سعيد".
(١٠) في جـ: "وكان".
(١١) في جـ: "من أشرف".


الصفحة التالية
Icon