وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: " وعلى الذين يُطَوَّقُونه فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، هُوَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا (١).
وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [قَالَ] (٢) نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ ثُمَّ ضَعُفَ، فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِهْرام الْمَحْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّة، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ مِسْكِينًا، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَنَسَخَتِ الْأُولَى، إِلَّا الْكَبِيرَ الْفَانِيَ إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَأَفْطَرَ. فَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ النَّسْخَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ بِإِيجَابِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ، بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي [الْهَرِمُ] (٣) الذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ حَالٌ يَصِيرُ إِلَيْهَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنَ الْقَضَاءِ، وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ [إِذَا أَفْطَرَ] (٤) أَنْ يُطْعِمَ عَنْ (٥) كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا إِذَا كَانَ ذَا جِدة؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِطْعَامٌ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ عَنْهُ لِسِنِّهِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلَّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي -وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ -: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ أَيْ: يَتَجَشَّمُونَهُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ -بَعْدَ أَنْ (٦) كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ -كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ (٧).
وَهَذَا الذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ بْنُ مُعَاذ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ (٨) قَالَ: ضَعُفَ أَنَسُ [بْنُ مَالِكٍ] (٩) عَنِ الصَّوْمِ، فَصَنَعَ جَفْنَةً مِنْ ثَرِيدٍ، فَدَعَا ثلاثيِن مِسْكِينًا فَأَطْعَمَهُمْ (١٠).
وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ -وَهُوَ ابْنُ حُدَير (١١) -عن أيوب، به.

(١) صحيح البخاري برقم (٤٥٠٥).
(٢) زيادة من أ، و.
(٣) زيادة من جـ، أ، و.
(٤) زيادة من جـ، أ، و.
(٥) في أ: "في".
(٦) في جـ: "بعد ما".
(٧) صحيح البخاري (٨/١٧٩) "فتح".
(٨) في جـ، أ: "بن أبي تميم".
(٩) زيادة من أ.
(١٠) مسند أبي يعلى (٧/٢٠٤) وقال الهيثمي في المجمع (٣/١٦٤) :"رجاله رجال الصحيح" لكنه منقطع.
(١١) في و: "وهو ابن خدير".


الصفحة التالية
Icon