هكذا أوهكذا، حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا".
وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ التَّيْمِيِّ، بِهِ (١).
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ النَّخَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي ذئْب، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْفَجْرُ فَجْرَانِ، فَالذِي كَأَنَّهُ ذَنْبُ السِّرْحَانِ لَا يُحَرِّم شَيْئًا، وَأَمَّا الْمُسْتَطِيرُ الذِي يَأْخُذُ الْأُفُقَ، فَإِنَّهُ يُحِلُّ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ الطَّعَامَ" (٢). وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُمَا فَجْرَانِ، فَأَمَّا الذِي يَسْطَعُ فِي السَّمَاءِ فَلَيْسَ يُحِلّ وَلَا يحرِّم شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الذِي يَسْتَبِينُ (٣) عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ، هُوَ الذِي يُحَرِّمُ الشَّرَابَ. قَالَ عَطَاءٌ: فَأَمَّا إِذَا سَطَعَ سُطُوعًا فِي السَّمَاءِ، وَسُطُوعُهُ أَنْ يَذْهَبَ فِي السَّمَاءِ طُولًا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِهِ شَرَابٌ لِصِيَامٍ وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا يَفُوتُ بِهِ حَجٌّ (٤) وَلَكِنْ إِذَا انْتَشَرَ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ، حَرَّمَ الشَّرَابَ لِلصِّيَامِ وَفَاتَ الْحَجُّ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ، وَهَكَذَا رُوي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
مَسْأَلَةٌ: ومِن جَعْله تَعَالَى الفجرَ غَايَةً لِإِبَاحَةِ الْجِمَاعِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِمَنْ أَرَادَ الصِّيَامَ، يُسْتَدَلّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا قَالَتَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ (٥). وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَهُمَا: ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُدْركني الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَصُومُ". فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا -يَا رَسُولَ اللَّهِ -قَدْ غفرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أكونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي" (٦). فَأَمَّا الْحَدِيثُ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ -صَلَاةِ الصُّبْحِ -وَأَحَدُكُمْ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ يَوْمَئِذٍ" (٧) فَإِنَّهُ حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، كَمَا تَرَى (٨) وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عباس عن النبي
(٢) تفسير الطبري (٣/٥١٤).
(٣) في أ: "حتى يستنير".
(٤) في أ: "به الحج".
(٥) صحيح البخاري برقم (١٩٢٥، ١٩٢٦) وصحيح مسلم برقم (١١٠٩).
(٦) صحيح مسلم برقم (١١٠٩).
(٧) المسند (٢/٣١٤).
(٨) في جـ: "كما ترى على شرط الشيخين".