وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا عبُيَد اللَّهِ (١) بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ قَالَ: إِذَا كَانَ بالمُحْرِم أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، حَلَق وَافْتَدَى بِأَيِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ، وَالصِّيَامُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، كُلُّ مِسْكِينٍ مَكُّوكين: مَكُّوكًا مِنْ تَمْرٍ، وَمَكُّوكًا مِنْ بُر، وَالنُّسُكُ شَاةٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ قَالَ: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ.
وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ قَوْلَانِ غَرِيبَانِ فِيهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتت السنةُ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرة بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، [لَا عَشْرَةَ وَ] (٢) لَا سِتَّةَ، أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ نُسُكُ شَاةٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا دَلّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا هَذَا الترتيبُ فَإِنَّمَا هُوَ معروفٌ فِي قَتْل الصَّيْدِ، كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ. وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ هُنَاكَ، بِخِلَافِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ هُشَيم: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ دَمٍ أَوْ طَعَامٍ (٣) فَبِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ صِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ. وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ.
وَقَالَ هُشَيم: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ دَمٍ فَبِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ وَصِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَسْمَاءَ مَوْلَى ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَجَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَمَعَهُ عَلِيٌّ وَالْحُسَيْنُ (٤) بْنُ عَلِيٍّ، فَارْتَحَلَ عُثْمَانُ. قَالَ أَبُو أَسْمَاءَ: وَكُنْتُ مَعَ ابْنِ جَعْفَرٍ، فَإِذَا نَحْنُ بَرْجَلٍ نَائِمٍ وَنَاقَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّؤُومُ (٥). فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا الْحُسَيْنُ (٦) بْنُ عَلِيٍّ. قَالَ: فَحَمَلَهُ ابنُ جَعْفَرٍ حَتَّى أَتَيْنَا بِهِ السُّقْيا قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ وَمَعَهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ: فَمَرَّضْنَاهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِلْحُسَيْنِ: مَا الذِي تَجِدُ؟ قَالَ: فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِهِ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ عَليّ فَحَلَق رَأْسُهُ، ثُمَّ دَعَا ببدنَةٍ فَنَحَرَهَا. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ عَنِ الْحَلْقِ فَفِيهِ أَنَّهُ نَحَرَهَا دُونَ مَكَّةَ. وَإِنْ كَانَتْ عَنِ (٧) التَّحَلُّلِ فَوَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ أَيْ: إِذَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَمتِّعًا بالعُمرة إِلَى الْحَجِّ، وَهُوَ يَشْمَلُ مَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا، أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَهَذَا هُوَ التَّمَتُّعُ الْخَاصُّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ. وَالتَّمَتُّعُ الْعَامُّ يَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الأحاديثُ الصِّحَاحُ، فَإِنَّ مِنَ الرُواة مَنْ يقولُ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَآخَرُ يَقُولُ: قَرَن. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ سَاقَ الْهَدْيَ (٨).
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ أَيْ: فَلْيَذْبَحْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْهَدْيِ، وَأَقَلُّهُ شَاةٌ، وَلَهُ أَنْ يَذْبَحَ الْبَقَرَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ،

(١) في جـ، أ: "عبد الله".
(٢) زيادة من جـ، أ.
(٣) في جـ: "أو إطعام".
(٤) في جـ: "الحسن".
(٥) في أ: "أيها النائم".
(٦) في جـ: "الحسن".
(٧) في أ: "من".
(٨) في أ، و: "أنه ساق هديا".


الصفحة التالية
Icon