قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَجُّ عَرَفَاتٌ -ثَلَاثًا -فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ. وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ (١) فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ" (٢).
وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنَ الزَّوَالِ يومَ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوع الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ إِلَى أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَقَالَ: "لتأخُذوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" (٣).
وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ" وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ عَرَفة. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّس بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ (٤) الطَّائِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَليْ (٥) طَيْئٍ، أَكْلَلْتُ (٦) رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَج؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من شَهِد صَلَاتَنَا هَذِهِ، فَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجّه، وَقَضَى تَفَثَه".
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (٧).
ثُمَّ قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَرَفات لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَجَّ بِهِ، حَتَّى إِذَا أَتَى عَرَفَةَ قَالَ: عَرَفْتَ، وَكَانَ قَدْ (٨) أَتَاهَا مَرَّةً قَبْلَ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عَرَفة.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَرَفَةُ، أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُرِي إِبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِكَ، فَيَقُولُ: عَرَفْتُ عَرَفْتُ. فَسُمِّيَ "عَرَفَاتٌ". وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مِجْلز، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتُسَمَّى عَرَفَاتٌ الْمَشْعَرَ الْحَلَالَ، وَالْمَشْعَرَ (٩) الْأَقْصَى، وَإِلَالُ -عَلَى وَزْنِ هِلَالُ -وَيُقَالُ لِلْجَبَلِ فِي وَسَطِهَا: جَبَلُ الرَّحْمَةِ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ:
وبالمشعَر الْأَقْصَى إِذَا قَصَدُوا لَهُ | إِلَالُ إِلَى تِلْكَ الشِّراج القَوَابل (١٠) |
(٢) المسند (٤/٣٣٥) وسنن أبي داود برقم (١٩٤٩) وسنن الترمذي برقم (٢٩٧٥) وسنن النسائي (٥/٢٦٤) وسنن ابن ماجة برقم (٣٠١٥).
(٣) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٢٩٧) من حديث جابر رضي الله عنه.
(٤) في جـ: "ابن الإمام".
(٥) في جـ، ط، أ:: من جبل".
(٦) في جـ: "أظللت".
(٧) المسند (٤/١٥) وسنن أبي داود برقم (١٩٥٠) وسنن الترمذي برقم (٨٩١) وسنن النسائي (٥/٢٦٣) وسنن ابن ماجة برقم (٣٠١٦).
(٨) في جـ: "وقد كان".
(٩) في ط: "المشعر الحرام".
(١٠) البيت في السيرة النبوية لابن هشام (١/٢٧٤).