وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ يَعْنِي الْفَضْلَ.
وَعَنْ طَاوُسٍ: الْيَسِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَنِ الرَّبِيعِ أَيْضًا: أَفْضَلُ مَالِكَ، وَأَطْيَبُهُ.
وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى الْفَضْلِ.
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ قَالَ: ذَلِكَ أَلَّا تُجْهِدَ مَالِكَ ثُمَّ تَقْعُدُ تَسْأَلُ النَّاسَ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلان، عَنِ المَقْبُريّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ". قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ". قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ". قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: "فَأَنْتَ أبصَرُ".
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (١). وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَل شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضُلَ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضُلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا" (٢).
وَعِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خير الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْر غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولَ" (٣).
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: "ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ إِنْ تبذُل الفضلَ خيرٌ لَكَ، وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلام عَلَى كَفَافٍ" (٤).
ثُمَّ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، كَمَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّدِّيُّ، وَقِيلَ: مُبَيَّنَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَوْجُهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ أَيْ: كَمَا فصَّل لَكُمْ هَذِهِ الْأَحْكَامَ وبينَها وَأَوْضَحَهَا، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمْ سَائِرَ الْآيَاتِ فِي أَحْكَامِهِ وَوَعْدِهِ، ووعيده، لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة.
(٢) صحيح مسلم برقم (٩٩٧).
(٣) هو في صحيح البخاري برقم (١٤٢٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم برقم (١٠٣٤) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٠٣٦) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.