قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ مُثَنَّى، قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَلِفِينَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى هَكَذَا، وشَبَّك بَيْنَ أَصَابِعِهِ (١).
[وَقَدْ حَكَى فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلًا عَنْ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثابت، وربيع ابن خيثم: أَنَّهَا لَمْ يَرِدْ بَيَانُهَا، وَإِنَّمَا أُرِيدَ إِبْهَامُهَا، كَمَا أُبْهِمَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَقْتُ الْمَوْتِ عَلَى الْمُكَلَّفِ؛ لِيَكُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُسْتَعِدًّا، وَكَذَا أُبْهِمَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ السَّمَاءِ وَبَاءٌ لِيَحَذَرَهَا النَّاسُ، وَيُعْطُوا الْأُهْبَةَ دَائِمًا، وَكَذَا وَقْتُ السَّاعَةِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ؛ فَلَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَةً] (٢).
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِيهَا ضَعْفٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ وَمُعْتَرَكُ النِّزَاعِ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ. وَقَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ، فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ "فَضَائِلِ الشَّافِعِيِّ" رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ بْنَ يَحْيَى التُّجِيبِيَّ يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا قُلْتُ فَكَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى، وَلَا تُقَلِّدُونِي. وَكَذَا رَوَى الرَّبِيعُ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مُوسَى أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ وَقُلْتُ قَوْلًا فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْ قَوْلِي وَقَائِلٌ بِذَلِكَ. فَهَذَا مِنْ سِيَادَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَهَذَا نَفْسُ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ آمِينَ. وَمِنْ هَاهُنَا قَطَعَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ صَلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا الصُّبْحُ، لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الْمَذْهَبِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَمِنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ يُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعَصْرُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ، وَصَمَّمُوا عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَلِتَقْرِيرِ الْمُعَارَضَاتِ وَالْجَوَابَاتِ مَوْضِعٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا، وَقَدْ أَفْرَدْنَاهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ أَيْ: خَاشِعِينَ ذَلِيلِينَ مُسْتَكِينِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مُسْتَلْزِمٌ (٣) تَرْكَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، لِمُنَافَاتِهِ إِيَّاهَا؛ وَلِهَذَا لَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، اعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ. "إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا"، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ [السُّلَمِيِّ] (٤) حِينَ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ (٥) فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله" (٦).
(٢) زيادة من جـ.
(٣) في جـ: "يستلزم".
(٤) زيادة من جـ، أ، و.
(٥) في أ: "لا يصح".
(٦) صحيح مسلم برقم (٥٣٧).