الْجَزْمِ، فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَذَكَرَهُ (١). وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَوَاهُ فِي بَعْضِهَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ أَيْ: بِالْقِسْطِ وَالْحَقِّ، وَلَا يَجُرْ فِي كِتَابَتِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَكْتُبْ إِلَّا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ أَيْ: وَلَا يَمْتَنِعْ مَنْ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ إِذَا سُئِل أَنْ يكتبَ لِلنَّاسِ، وَلَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَكَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، فَلْيتصدق عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلْيَكْتُبْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ مِنَ الصَّدَقَةِ أَنْ تُعِينَ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعَ لأخْرَق" (٢). وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمه ألْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ" (٣).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ أَيْ: وَلْيُمْلِلِ الْمَدِينُ عَلَى الْكَاتِبِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي ذَلِكَ، ﴿وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ أَيْ: لَا يَكْتُمُ مِنْهُ شَيْئًا، ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِتَبْذِيرٍ وَنَحْوِهِ، ﴿أَوْ ضَعِيفًا﴾ أَيْ: صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ﴿أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ﴾ إِمَّا لِعَيٍّ أَوْ جَهْلٍ بِمَوْضِعِ صَوَابِ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ. ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾
وَقَوْلُهُ ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم﴾ أمْرٌ بِالْإِشْهَادِ مَعَ الْكِتَابَةِ لِزِيَادَةِ التَّوْثِقَةِ، ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتِ الْمَرْأَتَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ لِنُقْصَانِ عَقْلِ الْمَرْأَةِ، كَمَا قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرو، عَنِ المَقْبُري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رأيتكُن أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلة: وَمَا لَنَا -يَا رَسُولَ اللَّهِ -أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ (٤) ؟ قَالَ: "تُكْثرْنَ اللَّعْنَ، وتكفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رأيتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُب مِنْكُنَّ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: "أَمَّا نُقْصَانُ عَقْلِهَا فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدل شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِي لَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدين" (٥).
وقوله: ﴿ممِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الشُّهُودِ، وَهَذَا مقيَّد، حَكَم بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى كُلِّ مُطْلَقٍ فِي الْقُرْآنِ، مِنَ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ رَدَّ الْمَسْتُورَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدْلًا مُرْضِيًا.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ يَعْنِي: الْمَرْأَتَيْنِ إِذَا نَسِيَتِ الشَّهَادَةَ ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى﴾ أَيْ: يَحْصُلُ لَهَا ذِكْرَى بِمَا وَقَعَ بِهِ الْإِشْهَادُ، وَلِهَذَا قَرَأَ آخَرُونَ: "فَتُذكر" بالتشديد من التذكار. ومن قال:
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٢٥١٨) مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٣) رواه أحمد في المسند (٢/٣٠٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) في جـ: "يا رسول الله وما لنا أكثر أهل النار".
(٥) صحيح مسلم برقم (٨٠).