الْقُرْآنِ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْعَلُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا "، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَحْوَطُ وَأَوْلَى، وَلَكِنْ قَدْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ بِالرُّخْصَةِ فِي الْآخَرِ، وَعَلَيْهِ عملُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي تَرْجَمَةِ السُّوَرِ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
التَّرْتِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ
وَقَوْلُ اللَّهِ (١) عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ [الْمُزَّمِّلُ: ٤]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٠٦]، يُكْرَهُ أَنْ يُهَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ، يُفَرَّقُ: يُفَصَّلُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فَرَقْنَاهُ﴾ فَصَّلْنَاهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ [وَهُوَ ابْنُ حَيَّانَ الْأَحْدَبُ] (٢) عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبَارِحَةَ، فَقَالَ: هَذًّا كهذِّ الشِّعْرِ، إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا الْقِرَاءَةَ، وَإِنِّي لَأَحْفَظُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ النَّبِيُّ ﷺ ثمان عَشَرَةَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم (٣).
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ -وَهُوَ ابْنُ حَيَّانَ الْأَحْدَبِ-عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ (٤).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مِخْراق، عَنْ عَائِشَةَ أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون الْقُرْآنَ فِي اللَّيْلِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَتْ: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كُنْتُ أَقُومُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ التَّمَامِ، فَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ، فَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا تَخَوُّفٌ إِلَّا دَعَا اللَّهَ وَاسْتَعَاذَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ إِلَّا دَعَا اللَّهَ وَرَغِبَ إِلَيْهِ (٥).
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [الْقِيَامَةِ: ١٦] : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّرَسُّلِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ هَذْرَمة وَلَا سُرْعَةٍ مُفْرِطَةٍ، بَلْ بِتَأَمُّلٍ وَتَفَكُّرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: ٢٩].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ (٦) سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وارْقَ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " (٧).
(٢) زيادة من جـ.
(٣) صحيح البخاري برقم (٥٠٤٣).
(٤) صحيح مسلم برقم (٨٢٢).
(٥) المسند (٦/ ٩٢).
(٦) في ط: "عن".
(٧) المسند (٢/ ١٩٢).