تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا مُوسَى، لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ". فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ قِرَاءَتِي لحَبَّرْتها لَكَ تَحْبِيرًا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى أَبَا مُوسَى قَالَ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا يَا أَبَا مُوسَى. فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُصَلِّي بِنَا، فَلَوْ قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ صَنْجٍ قَطُّ وَلَا بَرْبَطٍ قَطُّ، وَلَا شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ صَوْتِهِ. قول المقريء لِلْقَارِئِ: حَسْبُكَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأْ عَلَيَّ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: "نَعَمْ"، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النِّسَاءِ: ٤١]، قَالَ: "حَسْبُكَ الْآنَ" [فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ] (١) (٢).
أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ بِهِ (٣) ووجه الدلالة ظاهر، وكذا الحديث الآخر: " اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا ". فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ٢٠]
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الْقُرْآنِ فَلَمْ أَجِدْ سُورَةً أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ. فَقُلْتُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ. قَالَ سُفْيَانُ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، أَخْبَرَهُ عَلْقَمَةُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَلَقِيتُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ (٤).
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَمَعَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَعَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ لَقِيَ أَبَا مَسْعُودٍ وَهُوَ يَطُوفُ فَسَمِعَهُ مِنْهُ، وَعَلِيٌّ هَذَا هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَشَيْخُهُ هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ -فَقِيهُ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ-اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ فِي السُّنَنِ: " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَثَلَاثِ آيَاتٍ " (٥) وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ -أَعْنِي حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ-أصح وأشهر وأخص، ولكن وجه مناسبته

(١) زيادة من ط.
(٢) صحيح البخاري برقم (٥٠٥٠).
(٣) صحيح مسلم برقم (٨٠٠) وسنن أبي داود برقم (٣٦٦٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (٨٠٧٨) والشمائل للترمذي برقم (٣٠٦).
(٤) صحيح البخاري برقم (٥٠٥١).
(٥) كذا قال الحافظ ابن كثير، ولم أقع عليه في السنن الأربعة، وقد رواه ابن عدي في الكامل (٥/ ٢٩) من طريق عمر بن يزيد المدائني عن عطاء عن ابن عمر، رضي الله عنه، مرفوعا بلفظ: "لا تجزئ في المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدا". والمدائني منكر الحديث كما قال ابن عدي.


الصفحة التالية
Icon