وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (١) بِهِ. وَكَذَا قَالَ غيرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَف: إِنَّهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سلمةَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ فِي جُمُعَةٍ (٢) وَافَقَ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ (٣) مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، ودمغَ فِيهِ الشِّرْكَ وخرَّب محِله، [هَذَا] (٤) مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ فَرَسَانِ وسبعُون بعِيرا، وَالْبَاقُونَ مُشاة، لَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ العَدَد جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ الْعَدُوُّ يَوْمَئِذٍ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةٍ إِلَى الْأَلْفِ فِي سَوَابِغِ الْحَدِيدِ والبَيض، وَالْعِدَّةِ (٥) الْكَامِلَةِ وَالْخُيُولِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْحُلِيِّ (٦) الزَّائِدِ، فَأَعَزَّ اللَّهُ رَسُولَهُ، وَأَظْهَرَ وَحْيَهُ وَتَنْزِيلَهُ، وبَيَّضَ وَجْه النَّبِيِّ وَقَبِيلَهُ، وأخْزى الشَّيْطَانَ (٧) وَجِيلَهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى -مُمْتَنا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وحِزبه الْمُتَّقِينَ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ أَيْ: قَلِيلٌ عَدَدُكُمْ لِيَعْلَمُوا (٨) أَنَّ النَّصْرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَا بِكَثْرَةِ العَدَد والعُدَد؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ. ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ] (٩) وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٥ -٢٧].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ سِمَاك قَالَ: سَمِعْتُ عِياضا الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: شهدتُ الْيَرْمُوك وَعَلَيْنَا خَمْسَةُ أُمَرَاءَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسَنَة، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعِيَاضٌ -وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا (١٠) الَّذِي حَدَّثَ سِمَاكًا-قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ: فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ (١١) إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ، وَاسْتَمْدَدْنَاهُ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَنِي (١٢) وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا، وَأَحْصَنُ جُنْدًا: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَاسْتَنْصِرُوهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نُصر يومَ بَدْرٍ فِي أَقَلِّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي فَقَاتِلُوهُمْ وَلَا تُرَاجِعُونِي. قَالَ (١٣) فَقَاتَلْنَاهُمْ فَهَزَمْنَاهُمْ أَرْبَعَةَ (١٤) فَرَاسِخَ، قَالَ: وَأَصَبْنَا أَمْوَالًا فَتَشَاوَرْنَا، فَأَشَارَ عَلَيْنَا عِيَاضٌ أنْ نُعْطِيَ عَنْ كُلِّ ذِي رَأْسٍ عَشَرَةً. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَنْ يُرَاهِنُنِي؟ فَقَالَ شَابٌّ: أَنَا، إِنْ لَمْ تَغْضَبْ. قَالَ: فَسَبَقَهُ، فَرَأَيْتُ عَقِيصَتَيْ أَبِي عُبَيدة تَنْقزان وَهُوَ خَلْفه عَلَى فَرَسٍ عُرْي (١٥).
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (١٦) وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبّان فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ بُنْدَار، عَنْ غُنْدَر،
(٢) في أ، و: "في يوم جمعة".
(٣) في جـ: "اثنين".
(٤) زيادة من أ، و.
(٥) في أ: "والعدد".
(٦) في جـ، ر: "الخيلاء".
(٧) في أ، و: "وأحزن الشيطان وخيله".
(٨) في، و: "لتعلموا".
(٩) زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي الأصل: "إلى".
(١٠) في جـ: "هذا هو الذي".
(١١) في أ: "له".
(١٢) في ر: "تستمدوني"
(١٣) في أ: "قالت".
(١٤) في جـ، ر: "أربع".
(١٥) في أ، و: "عربي".
(١٦) المسند (١/٤٩) وصحيح ابن حبان (٧/١٣١) "الإحسان". وقال الهيثمي في المجمع (٦/٢١٣) :"رجاله رجال الصحيح".