حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بن قَيْس، عن زيد بن أسلم، عن رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ -يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْجَلِيلِ-عَنْ عَمٍّ لَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ مِلْأَهُ اللَّهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا". رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (١).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ مَرْدُويَه: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ مِنْ جُرْعَةٍ أَفْضَلَ أَجْرًا مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ".
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَمَّاد بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيد، بِهِ (٢).
فَقَوْلُهُ: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ أَيْ: لَا يَعْمَلُونَ (٣) غَضَبَهُمْ فِي النَّاسِ، بَلْ يَكُفُّونَ عَنْهُمْ شَرَّهُمْ، وَيَحْتَسِبُونَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ قَالَ [تَعَالَى] (٤) ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ أَيْ: مَعَ كَفِّ الشَّرِّ يَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَلَا يَبْقَى (٥) فِي أَنْفُسِهِمْ (٦) مَوجدة عَلَى أَحَدٍ، وَهَذَا أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فَهَذَا مِنْ مَقَامَاتِ الْإِحْسَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: "ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزا، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ " (٧).
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقبة، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ القُرشي، عَنْ عُبَادة بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُشْرَف لَهُ الْبُنْيَانُ، وَتُرْفَعَ لَهُ الدَّرَجَاتُ فَلْيَعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِ مَنْ حَرَمَهُ، ويَصِلْ مَنْ قَطَعَهُ".
ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (٨) وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرة، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، بِنَحْوِ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ (٩) طَرِيقِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ يَقُولُ: أَيْنَ الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ؟ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، وَخُذُوا أُجُورَكُمْ، وَحُقَّ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِذَا عَفَا أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ".
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ أي:

(١) تفسير عبد الرزاق (١/١٣٦) وتفسير الطبري (٧/٢١٦) ورواه البخاري في التاريخ الكبير (٥/١٢٣) وقال: "عبد الجليل لا يتابع عليه".
(٢) سنن ابن ماجة برقم (٤١٨٩) ورواه أحمد في مسنده (٢/١٢٨) من طريق علي بن عاصم عن يونس بن عبيد، به.
(٣) في جـ: "أي يعلمون"، وفي ر: "أي لا يعلمون".
(٤) زيادة من جـ.
(٥) في و: "تبقى".
(٦) في أ: "نفوسهم".
(٧) رواه الترمذي في السنن برقم (٢٣٢٥) من حديث أبي كبشة الأنماري.
(٨) المستدرك (٢/٢٩٥) وتعقبه الذهبي فقال: "فيه أبي أمية بن يعلى ضعفه الدارقطني وإسحاق بن يحيى بن طلحة عن عبادة عن أبي، وإسحاق لم يدرك عبادة". ورواه الطبراني في الكبير (١/١٦٧) من طريق أبي أمية بن يعلى عن موسى بن عقبة، به.
(٩) في ر، أ، و: "من".


الصفحة التالية
Icon