وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَأَبِي الْهَيْثَمِ العُتْوَارِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ إبْلِيسُ: يَا رَبِّ، وَعِزَّتكَ لَا أزَالُ أغْوي [عِبَاَدكَ] (١) مَا دَامَتْ أرْوَاحُهُمْ فِي أجْسَادِهِمْ. فَقَالَ اللهُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَلَا أزَالُ أغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي" (٢).
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُمر بْنُ أَبِي خَلِيفَةَ، سَمِعْتُ أَبَا بَدْر يُحَدِّثُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (٣)، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَذْنَبْتَ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ". [قَالَ: فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ أَعُودُ فأُذْنِب. قَالَ (٤) فَإذا (٥) أَذْنَبْتَ فَعُدْ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ] (٦) " فَقَالَهَا فِي الرَّابِعَةِ فَقَالَ: "اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ المحسُورُ" (٧).
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (٨).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ﴾ أَيْ: لَا يَغْفِرُهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَب، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، وَالْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيع؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِأَسِيرٍ فَقَالَ: اللهمُ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَرَفَ الْحقَّ لأهْلِهِ" (٩).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: تَابُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ عَنْ قَرِيبٍ، وَلَمْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَيُصِرُّوا عَلَيْهَا غَيْرَ مقْلِعِين عَنْهَا، وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُمُ الذَّنْبُ تَابُوا عَنْهُ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، فِي مُسْنَدِهِ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرُهُ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الْحَمِيدِ الحِمَّانيّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ، عَنْ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، والْبَزَّار فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ -وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ-بِهِ وَشَيْخُهُ أَبُو نُصَيْرَةَ (١٠) الْوَاسِطِيُّ وَاسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: لَيْسَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ بِذَاكَ، فَالظَّاهِرُ إِنَّمَا [هُوَ] (١١) لِأَجْلِ جَهَالَةِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنَّ جَهَالَةَ مَثَلِهِ لَا تَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَيَكْفِيهِ نِسْبَتُهُ إِلَى [أَبِي بَكْرٍ] (١٢) الصِّدِّيقِ، فَهُوَ حديث حسن (١٣) والله أعلم.
(٢) المسند (٣/٧٦).
(٣) في جـ، ر: "يا رسول الله إني".
(٤) في جـ، ر: "فقال".
(٥) في أ، و: "إذا".
(٦) زيادة من جـ، ر، ومسند البزار.
(٧) مسند البزار برقم (٣٢٤٩) "كشف الأستار".
(٨) ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٧٠٩٠) من طريق عمر بن أبي خليفة به. وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٢٠١) :"رواه البزار وفيه بشارة بن الحكم الضبي ضعفه غير واحد. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وبقية رجاله وثقوا".
(٩) المسند (٣/٣٤٥).
(١٠) في جـ: "أبو بصيرة"، وفي ر: "أبو نصر".
(١١) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(١٢) زيادة من جـ، أ.
(١٣) مسند أبي يعلى (١/١٢٤) وسنن أبي داود برقم (١٥١٤) وسنن الترمذي برقم (٣٥٥٩) ومسند البزار برقم (٩٣).