وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمّا قَرَأَ سُورَةَ ﴿كهيعص﴾ بِحَضْرَةِ النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَعِنْدَهُ الْبَطَارِكَةُ وَالْقَسَاوِسَةُ (١) بَكَى وبَكَوْا مَعَهُ، حَتَّى أخْضَبُوا (٢) لِحَاهُم.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ لَمَّا مَاتَ نَعَاه النَّبِيُّ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: "إِنَّ أَخًا (٤) لَكُمْ بِالْحَبَشَةِ قَدْ مَاتَ فصَلُّوا عَلَيْهِ". فَخَرَجَ [بِهِمْ] (٥) إِلَى الصَّحْرَاءِ، فَصفَّهم، وَصَلَّى عَلَيْهِ (٦).
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفي النَّجَاشِيُّ قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ. فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ لِعِلْج مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ الْآيَةَ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ (٧) أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ (٨) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٩). ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدويه [أَيْضًا] (١٠) مِنْ طُرُقٍ عَنْ حُمَيْد، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ (١١).
وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ (١٢) جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ الهُذَلي، عَنْ قَتَادة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ [لَنَا] (١٣) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: "إِنَّ أَخَاكُمْ أصْحَمة قَدْ مَاتَ". فَخَرَجَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلَّى كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: يُصَلِّي عَلَى عِلْجٍ مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (١٤) ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ [وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ] (١٥) ﴾ (١٦).
وَقَدْ رَوَى الحافظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ بِمَرْوٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْغَزَّالُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَزَلَ بِالنَّجَاشِيِّ عَدُوّ مِنْ أَرْضِهِمْ، فَجَاءَهُ الْمُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: نُحِبُّ (١٧) أَنْ نَخْرُجَ إِلَيْهِمْ حَتَّى نُقَاتِلَ مَعَكَ، وَتَرَى جُرْأَتَنَا، وَنَجْزِيَكَ بِمَا صَنَعْتَ بِنَا. فقال: لا دواء
(٢) في جـ، ر: "أخضلوا".
(٣) في جـ، ر، أ، و: "رسول الله".
(٤) في جـ: "أخاكم".
(٥) زيادة من جـ، أ، و.
(٦) صحيح البخاري برقم (١٣٢٠) وصحيح مسلم برقم (٩٥٢) من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٧) في ر: "عن".
(٨) في جـ، ر: "أنس".
(٩) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٢٦٨٨) من طريق مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: "لم يروه عن حماد إلا مؤمل".
(١٠) زيادة من أ، و.
(١١) ورواه الطبراني في الأوسط برقم (٣٩٢٨) "مجمع البحرين" مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حميد عن أنس به. قال الهيثمي في المجمع (٣/٣٨) :"رجاله ثقات". ورواه الواحدي في الوسيط (١/٥٣٦) من طريق معتمر بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
(١٢) في ر: "وابن".
(١٣) زيادة من جـ، ر.
(١٤) زيادة من جـ، أ.
(١٥) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(١٦) تفسير الطبري (٧/٤٩٦).
(١٧) في جـ، ر: "إنا نحب".