بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَقَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "هَلْ لَكُمْ (١) إِلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الذُّنُوبَ وَيُعْظِمُ بِهِ الْأَجْرَ؟ " قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ".
قَالَ: "وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فَذَلِكَ هُوَ الرِّبَاطُ فِي الْمَسَاجِدِ" وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ جِدًّا (٢).
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَب بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْر، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ تَدْرِي فِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّهُ -يَا ابْنَ أَخِي-لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْو يُرَابَطُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ سياقُ ابْنِ مَرْدُويه، وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُرَابَطَةِ هَاهُنَا مُرَابَطَةُ الْغَزْوِ فِي نُحور الْعَدُوِّ، وَحِفْظُ ثُغور الْإِسْلَامِ وَصِيَانَتُهَا عَنْ دُخُولِ الْأَعْدَاءِ إِلَى حَوْزَة بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِالتَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ، وذِكْر كَثْرَةِ الثَّوَابِ فِيهِ، فرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْد السَّاعِدِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٣) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رباطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" (٤).
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ سَلمان الفارسي، عن رسوله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "رباطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وأجْرِيَ عَلَيْهِ رزْقُه، وأمِنَ الفَتَّان " (٥).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوة بْنِ شُرَيح، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الجَنْبي (٦) أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ فُضالة بْنَ عُبيد يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ، إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَنْمى (٧) لَهُ عملُه إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا (٨).
حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ وَحَسَنِ بْنِ مُوسَى وَأَبِي (٩) سعيد
(٢) وفي إسناده الوازع بن نافع، قال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: منكر الحديث وتركه النسائي. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه الوازع غير محفوظ. ميزان الاعتدال (٤/٣٢٧).
(٣) في أ، و: "عنهما".
(٤) صحيح البخاري برقم (٢٨٩٢).
(٥) صحيح مسلم برقم (١٩١٣).
(٦) في أ: "الختني".
(٧) في جـ، ر: "ينمو".
(٨) المسند (٦/٢٠) وسنن أبي داود برقم (٢٥٠٠) وسنن الترمذي برقم (١٦٢١) وصحيح ابن حبان (٧/٦٩) "الإحسان".
(٩) في جـ، أ: "أبو".