وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ إِثْمًا كَبِيرًا عَظِيمًا.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سئِل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن قَوْلِهِ: ﴿حُوبًا كَبِيرًا﴾ قَالَ: "إِثْمًا كَبِيرًا". وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الكُدَيْمي وَهُوَ ضَعِيفٌ (١) وَهَكَذَا رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي سِنَان مَثَلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: "اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا".
وَرَوَى ابْنُ مَرْدويه بِإِسْنَادِهِ إِلَى وَاصِلٍ، مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ طَلَّق امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا أَيُّوبَ، إِنَّ طَلَاقَ أُمِّ أَيُّوبَ كَانَ حُوبًا" قَالَ (٢) ابْنُ سِيرِينَ: الْحُوبُ الْإِثْمُ (٣).
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هَوْذَة بْنُ خَلِيفَةَ، أَخْبَرَنَا عَوْف، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَرَادَ طَلَاقَ أُمِّ أَيُّوبَ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ طَلَاقَ أُمِّ أَيُّوبَ لَحُوبٌ فَأَمْسَكَهَا" (٤) ثُمَّ رَوَاهُ (٥) ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ حُمَيد الطَّوِيلِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَرَادَ أَبُو طَلْحَةَ أَنْ يُطَلِّقَ أُمَّ سُليم فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ طَلَاقَ أُمِّ سُلَيْمٍ لَحُوبٌ" فَكَفَّ (٦).
وَالْمَعْنَى: إِنَّ أَكْلَكُمْ أَمْوَالَهُمْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ إِثْمٌ عَظِيمٌ وَخَطَأٌ كَبِيرٌ فَاجْتَنِبُوهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى﴾ أَيْ: إِذَا كَانَ (٧) تَحْتَ حِجْرِ أَحَدِكُمْ يَتِيمَةٌ وَخَافَ أَلَّا يُعْطِيَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، فَلْيَعْدِلْ إِلَى مَا سِوَاهَا مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيج، أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْق. وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا [فِي الْيَتَامَى] (٨) ﴾ أحسبه قال: كانت

(١) وقال ابن عدي: قد اتهم بالوضع، وقال ابن حبان: لعله وضع أكثر من ألف حديث وقال أبو عبيد الآجري: رأيت أبا داود يطلق في الكديمي الكذب.
(٢) في أ: "وقال".
(٣) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٢/١٩٦) من طريق يحيى الحماني عن حماد بن زيد عن وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أراد أن يطلق أم أيوب فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إن طلاق أم أيوب لحوب" قال ابن سيرين: الحوب الإثم، قال الهيثمي في المجمع (٩/٢٦٢) :"فيه يحيى الحماني وهو ضعيف".
(٤) هذا مرسل، وأخرجه أبو داود في المراسيل برقم (٢٣٣) عن وهب بن بقية عن خالد عن عوف عن أنس بن سيرين به. وأخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحديث كما في تخريج الكشاف للزيلعي (١/٢٧٩) من طريق جرير عن واصل عن أنس بن سيرين به.
(٥) في أ: "ورواه"
(٦) المستدرك (٢/٣٠٢) ومن طريق البيهقي في السنن الكبرى (٧/٣٢٣) وقال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي: "لا والله فيه على بن عاصم وهو واه".
(٧) في جـ، ر، أ: "كانت".
(٨) زيادة من جـ.


الصفحة التالية
Icon