مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ أَبِي الزِّناد يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سُهَيل بْنِ (١) عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيْلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اخْتَرْ (٢) أَرْبَعًا أَيَّتَهُنَّ شِئْتَ، وَفَارِقِ الْأُخْرَى"، فَعَمَدت إِلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً عَجُوزٍ عَاقِرٍ مَعِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً، فَطَلَّقْتُهَا (٣).
فَهَذِهِ كُلُّهَا شَوَاهِدُ بِصِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ غَيْلان كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ (٤).
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أَيْ: فَإِنْ خَشِيتُمْ (٥) مِنْ تَعْدَادِ النِّسَاءِ أَلَّا تَعْدِلُوا بَيْنَهُنَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ١٢٩] فَمَنْ خَافَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ، أَوْ عَلَى الْجَوَارِي السَّرَارِي، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَسْمٌ (٦) بَيْنَهُنَّ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ، فَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: [أَيْ] (٧) أَدْنَى أَلَّا تَكْثُرَ عَائِلَتُكُمْ. قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ أَيْ (٨) فَقْرًا ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٨] وَقَالَ الشَّاعِرُ (٩)
فَمَا يَدري الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ... ومَا يَدرِي الغَنيُّ مَتَى يُعِيلُ...
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: عَالَ الرَّجُلُ يُعِيلُ عَيْلة، إِذَا افْتَقَرَ وَلَكِنْ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ هَاهُنَا نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ كَمَا يُخْشَى كَثْرَةُ الْعَائِلَةِ مِنْ تَعْدَادِ الْحَرَائِرِ، كَذَلِكَ يُخْشَى مِنْ تَعْدَادِ السَّرَارِي أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا﴾ أَيْ: لَا تَجُورُوا. يُقَالُ: عَالَ فِي الْحُكْمِ: إِذَا قَسَط وَظَلَمَ وَجَارَ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ:
بِمِيزَانِ قسطٍ لَا يَخيس (١٠) شُعَيْرَةً | لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ (١١) |
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدويه، وَأَبُو حَاتِمِ ابْنِ حِبَّان فِي صَحِيحِهِ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ (١٢) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا﴾ قال: "لا تجوروا".
(٢) في جـ، ر، أ: "أمسك".
(٣) مسند الشافعي برقم (١٦٠٦) ومن طريق البيهقي في السنن الكبرى (٧/١٨٤).
(٤) في أ: "رحمة الله عليه".
(٥) في أ: "خفتم".
(٦) في ر: "القسم".
(٧) زيادة من جـ.
(٨) في جـ، ر: "أو".
(٩) هو أحيحة بن الجلاح الأوسي، والبيت في تفسير الطبري (٧/٥٤٩) وفي اللسان مادة (عيل).
(١٠) في أ: "تخس".
(١١) البيت في تفسير الطبري (٧/٥٥٠).
(١٢) في أ: "بن".