كسْوتهم وَمُؤْنَتِهِمْ وَرِزْقِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فرَاس، عن الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدة، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ سَيّئة الخُلُق فَلَمْ يُطَلقها، وَرَجُلٌ أَعْطَى مَالَهُ سَفِيهًا، وَقَدْ قَالَ: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَلَمْ يُشْهِد عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ يَعْنِي فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ انْتَظَمَتِ الْإِحْسَانَ إِلَى الْعَائِلَةِ، ومَنْ تَحْتَ الحَجْر بِالْفِعْلِ، مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي الْكَسَاوَى وَالْإِنْفَاقِ (١) وَالْكَلَامِ الطَّيِّبِ، وَتَحْسِينِ الْأَخْلَاقِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الحُلُم. قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْبُلُوغُ فِي الْغُلَامِ تَارَةً يَكُونُ بالحُلُم، وَهُوَ أَنْ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا يُنْزِلُ بِهِ الْمَاءَ الدَّافِقَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (٢) عَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُتْم بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَات يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ" (٣).
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتلمَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتيقظ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيق" أَوْ يَسْتَكْمِلَ (٤) خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوم أحد وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ، فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الخَنْدَق وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ فَأَجَازَنِي، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ -إِنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ (٥).
وَاخْتَلَفُوا فِي إِنْبَاتِ (٦) الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْفَرْجِ، وَهُوَ الشِّعْرة، هَلْ تَدُل عَلَى بُلُوغٍ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَدُلُّ (٧) عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْمُعَالَجَةِ، وَبَيْنَ صِبْيَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَكُونُ بُلُوغًا فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَجَّلُ بِهَا إِلَّا ضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ، فَلَا يُعَالِجُهَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بُلُوغٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسُ، وَاحْتِمَالُ الْمُعَالَجَةِ بَعِيدٌ، ثُمَّ قَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَطيَّةَ القُرَظيّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: عُرضنا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظة فَكَانَ مَنْ أنْبَتَ قُتل، وَمَنْ لَمْ يُنْبت خَلّي سَبِيلَهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِت، فَخَلَّى سَبِيلِي.

(١) في جـ، ر، أ: "الأرزاق".
(٢) في جـ، أ: "بإسناده".
(٣) سنن أبي داود برقم (٢٨٧٣).
(٤) في جـ، أ: "ويستكمل".
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٦٦٤) وصحيح مسلم برقم (١٨٦٨).
(٦) في ر: "إثبات".
(٧) في جـ، أ: "فلا يدل بلوغ".


الصفحة التالية
Icon