فَإِذَا أيسرتُ قَضَيْتُ (١).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ، رضي الله عنه: إنى أنزلْتُ نفسي من مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إِنِ احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ، فَإِذَا أيسَرت رَدَدْتُه، وَإِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ.
إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (٢) وروَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نحوَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ يَعْنِي: الْقَرْضَ. قَالَ: ورُوي عَنْ عُبَيدة، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير -فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ -وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قَالَ: يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْديّ، حَدَّثَنَا سفيانُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مقْسم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قَالَ: يَأْكُلُ مِنْ مَالِهِ، يَقُوتُ عَلَى يَتِيمِهِ (٣) حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى مَالِ الْيَتِيمِ. قَالَ: ورُوي عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْران فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ وَالْحَكَمِ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيّ: لَا يَأْكُلْ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ، كَمَا يُضْطَرُّ إِلَى [أَكْلِ] (٤) الْمَيْتَةِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَضَاهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْم القَارئ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَبِيعَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ فَقَالَا (٥) ذَلِكَ فِي الْيَتِيمِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ (٦) عَلَيْهِ بِقَدْرِ فَقْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ يَعْنِي: مِنَ الْأَوْلِيَاءِ ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ: مِنْهُمْ ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٤] أَيْ: لَا تَقْرَبُوهُ إِلَّا مُصْلِحِينَ لَهُ، وَإِنِ احْتَجْتُمْ إِلَيْهِ أَكَلْتُمْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ يَعْنِي: بَعْدَ بُلُوغِهِمُ الْحُلُمَ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ [مِنْهُمْ] (٧) فَحِينَئِذٍ سَلِّمُوهُمْ أَمْوَالَهُمْ، فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴿فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ وَهَذَا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَوْلِيَاءِ (٨) أَنْ يُشْهِدُوا عَلَى الْأَيْتَامِ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ وَسَلَّمُوا (٩) إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ؛ لِئَلَّا يَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ جُحُود وإنكار لما قبضه وتسلمه.

(١) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (٦/٥) والطبري في تفسيره (٧/٥٨٢) من طريق سفيان وإسرائيل به.
(٢) ورواه النحاس في الناسخ والمنسوخ (ص ٢٩٦) من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق به.
(٣) في جـ، أ: "على نفسه".
(٤) زيادة من جـ.
(٥) في جـ: "قال"، وفي أ: "قالا".
(٦) في جـ: "تنفق" وفي أ: "انتفق".
(٧) زيادة من جـ، أ.
(٨) في جـ: "هذا أمر الله للأولياء".
(٩) في جـ، ر: "تسلموا"، وفي أ: "ويسلموا".


الصفحة التالية
Icon