وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ [ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ] (١) ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْضُره الْمَوْتُ، فَيَسْمَعُهُ الرَّجُلُ يُوصِي بِوَصِيَّةٍ تَضر بِوَرَثَتِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي يَسْمَعُهُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ، وَيُوَفِّقَهُ وَيُسَدِّدَهُ لِلصَّوَابِ، وَلْيُنْظَرْ لِوَرَثَتِهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ بِوَرَثَتِهِ إِذَا خَشِيَ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ.
وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ عَلَى سَعْد بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ يَعُودُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةً، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لَا". قَالَ: فالشَّطْر؟ قَالَ: "لَا". قَالَ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنك أن تَذر وَرَثَتَك أغنياء خَيْر من أَنْ تَذَرَهم عَالةً يتكَفَّفُون النَّاسَ" (٢).
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ" (٣).
قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنْ كَانَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ أَغْنِيَاءَ استُحب لِلْمَيِّتِ أَنْ يَسْتَوفي الثُّلُثَ فِي وَصِيَّتِهِ (٤) وَإِنْ كَانُوا فَقُرَاءَ استُحب أَنْ يَنْقُص الثُّلُثَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ﴾ [أَيْ] (٥) فِي مُبَاشَرَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ﴿وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾
حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، يَتَأَيَّدُ بِمَا بَعْدَهُ مِنَ التَّهْدِيدِ فِي أَكْلِ مَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا، أَيْ: كَمَا تُحِبُّ أَنْ تُعَامَلَ ذَرِّيَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَعَامِلِ النَّاسَ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ (٦) إِذَا وَلِيتَهُمْ.
ثُمَّ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَالَ يَتِيمٍ ظُلْمًا فَإِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَارًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ أَيْ: إِذَا أَكَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى بِلَا سَبَبٍ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُونَ نَارًا تَأجَّج (٧) فِي بُطُونِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سليمان ابن بِلَالٍ، عَنْ ثَوْر بْنِ زَيْدٍ (٨) عَنْ سَالِمٍ أَبِي الغَيْث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اجْتَنبوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، والسِّحْر، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، والتولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ (٩) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العمِّى، حدثنا أبو هاروي (١٠) العَبْدي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يا رسول الله، ما رأيت

(١) زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٢) صحيح البخاري برقم (٢٧٤٢) وصحيح مسلم برقم (١٦٢٨).
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٧٤٣) وصحيح مسلم برقم (١٦٢٩).
(٤) في أ: "أن يستوفى في وصيته ثلث ماله".
(٥) زيادة من جـ، ر.
(٦) في أ: "ذراريهم".
(٧) في جـ، أ: "تتأجج".
(٨) في جـ، أ: "يزيد".
(٩) في أ: "عبد الله".
(١٠) في جـ، ر، أ: "هارون".


الصفحة التالية
Icon