أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ المُنْكدِر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَادَنِي رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلمَةَ مَاشِيَيْنِ، فوجَدَني النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَعْقِلُ شَيْئًا، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَش عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ﴾.
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (١) بِهِ، وَرَوَاهُ الجماعةُ كُلّهم مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَينة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ (٢).
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ جَابِرٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدّثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ عَمْرو (٣) الرَّقِّيُّ -عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقيل، عن جابر قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبيع إِلَى رسول الله ﷺ فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتل أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي أحُد شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا يُنْكَحَان إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ. قَالَ: فَقَالَ: "يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ". قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَأَرْسَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: "أعْطِ ابْنَتي سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وأُمُّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيل، بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ (٤).
وَالظَّاهِرُ أَنَّ (٥) حَدِيثَ جَابِرٍ الْأَوَّلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِسَبَبِهِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُ إِذْ ذَاكَ أَخَوَاتٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنَاتٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يُورَثُ كَلَالَةً، وَلَكِنْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ هَاهُنَا تَبَعًا لِلْبُخَارِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ هَاهُنَا. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ جَابِرٍ أَشْبَهُ بِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَوْلُهُ (٦) تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ﴾ أَيْ: يَأْمُرُكُمْ بِالْعَدْلِ فِيهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَجْعَلُونَ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ فِي أَصْلِ الْمِيرَاثِ، وَفَاوَتَ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ وَذَلِكَ لِاحْتِيَاجِ الرَّجُلِ إِلَى مُؤْنَةِ النَّفَقَةِ وَالْكُلْفَةِ وَمُعَانَاةِ التِّجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ وتجشُّم الْمَشَقَّةِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُعْطَى ضعْفَيْ مَا تَأْخُذُهُ (٧) الْأُنْثَى.
وَقَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْأَذْكِيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ﴾ أَنَّهُ تَعَالَى أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ مِنَ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ، حَيْثُ أَوْصَى الْوَالِدَيْنِ بِأَوْلَادِهِمْ، فَعُلِمَ (٨) أَنَّهُ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْهُمْ، كَمَا جَاءَ في الحديث الصحيح.

(١) صحيح البخاري برقم (٤٥٧٧) وصحيح مسلم برقم (١٦١٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (٦٣٢٣).
(٢) طريق سفيان رواها البخاري في صحيحه برقم (٥٦٥١) ومسلم في صحيحه برقم (١٦١٦) وأبو داود في السنن برقم (٢٨٨٦) والترمذي في السنن برقم (٢٠٩٧) والنسائي في السنن (١/٨٧) وابن ماجة في السنن برقم (٢٧٢٨).
(٣) في أ: "عمر".
(٤) المسند (٣/٣٥٢) وسنن أبي داود برقم (٢٨٩٢، ٢٨٩١) وسنن الترمذي برقم (٢٠٩٢) وسنن ابن ماجة برقم (٢٧٢٠).
(٥) في أ: "أنه".
(٦) في أ: "وقوله".
(٧) في ر: "ما تأخذ".
(٨) في أ: "منكم".


الصفحة التالية
Icon