إِلَى آخِرِهِ، الْأَبَوَانِ لَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ أَحْوَالٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَجْتَمِعَا مَعَ الْأَوْلَادِ، فَيُفْرَضُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ إِلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ، فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ، وَلِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَأَخَذَ الْأَبُ السُّدُسَ الْآخَرَ بِالتَّعْصِيبِ، فَيُجْمَعُ (١) لَهُ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ -بَيْنَ هَذِهِ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَنْفَرِدَ الْأَبَوَانِ بِالْمِيرَاثِ، فَيُفْرَضُ لِلْأُمِّ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ -الثُّلُثُ وَيَأْخُذُ الْأَبُ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْضِ، وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ ضَعْفَيِ مَا فُرِضَ (٢) لِلْأُمِّ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا -وَالْحَالَةُ هَذِهِ -زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَخَذَ الزَّوْجُ النِّصْفَ وَالزَّوْجَةُ (٣) الرُّبُعَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: مَا تَأْخُذُ (٤) الْأُمُّ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كَأَنَّهُ (٥) جَمِيعُ الْمِيرَاثِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهَا نِصْفَ مَا جَعَلَ لِلْأَبِ فَتَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي وَيَأْخُذُ ثُلُثَيْهِ (٦) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ. وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَأْخُذُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ﴾ فَإِنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ لَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، نَحْوُهُ. وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّبَّانِ الْبَصْرِيُّ (٧) فِي كِتَابِهِ "الْإِيجَازُ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ".
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ [مَا] (٨) إِذَا اسْتَبَدَّ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ أَوِ الزَّوْجَةُ الْفَرْضَ، وَيَبْقَى الْبَاقِي كَأَنَّهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ، فَتَأْخُذُ ثُلُثَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَأْخُذُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ، فَإِنَّهَا تَأْخُذُ الرُّبُعَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (٩) مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَأْخُذُ الْأُمُّ الثُّلُثَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، فَيَبْقَى (١٠) خَمْسَةٌ لِلْأَبِ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ فَتَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي؛ لِئَلَّا تَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَبِ لَوْ أَخَذَتْ ثُلُثَ الْمَالِ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ (١١) وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ (١٢) وَهُوَ سَهْمٌ، وَلِلْأَبِ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ سَهْمَانِ. وَيُحْكَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِينَ، مُوَافِقٌ كُلَّا مِنْهُمَا فِي صُورَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَالُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْوَالِ الْأَبَوَيْنِ: وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمَا مَعَ الْإِخْوَةِ، وَسَوَاءٌ كانوا من الأبوين، أو من
(٢) في جـ: "ما حصل" وفي ر: "ما فضل".
(٣) في جـ، ر: "أو الزوجة".
(٤) في أ: "ماذا تأخذ".
(٥) في أ: "كان".
(٦) في ر: "الباقي".
(٧) في أ: "المصري".
(٨) زيادة من أ.
(٩) في جـ، ر: "ثلثه".
(١٠) في أ: "فبقى".
(١١) في جـ، ر: "ثلثه".
(١٢) في جـ: "الباقي".