قُلْتُ: لَكِنْ كَانَ حَافِظًا لِلْفَرَائِضِ مُعْتَنِيًا بِهَا وَبِالْحِسَابِ (١) فَاللَّهُ (٢) أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ أَيْ: إِنَّمَا فَرَضْنَا لِلْآبَاءِ وَلِلْأَبْنَاءِ، وَسَاوَيْنَا بَيْنَ الْكُلِّ فِي أَصْلِ الْمِيرَاثِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ كَوْنِ الْمَالِ لِلْوَلَدِ وَلِلْوَالِدَيْنِ (٣) الْوَصِيَّةُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّمَا نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى هَذَا، فَفَرَضَ لِهَؤُلَاءِ وَلِهَؤُلَاءِ بِحَسَبِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَأْتِيهِ النَّفْعُ الدُّنْيَوِيُّ -أَوِ الْأُخْرَوِيُّ أَوْ هُمَا -مِنْ أَبِيهِ مَا لَا يَأْتِيهِ مِنِ ابْنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ أَيْ: كَأَنَّ (٤) النَّفْعَ مُتَوَقَّعٌ وَمَرْجُوٌّ مِنْ هَذَا، كَمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ وَمَرْجُوٌّ مِنَ الْآخَرِ؛ فَلِهَذَا فَرَضْنَا لِهَذَا وَلِهَذَا، وَسَاوَيْنَا بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ فِي أَصْلِ الْمِيرَاثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ أَيْ: [مِنْ] (٥) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْصِيلِ الْمِيرَاثِ، وَإِعْطَاءِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ -هُوَ فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ حَكَمَ بِهِ وَقَضَاهُ، وَاللَّهُ (٦) عَلِيمٌ حَكِيمٌ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَحَالِّهَا، وَيُعْطِي كُلًّا مَا يَسْتَحِقُّهُ بِحَسَبِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾
لكن ضعف في روايته للحديث، ضعفه جماعة منهم الشعبي وجرير وابن مهدي وابن المديني ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم. انظر: تهذيب الكمال (٥/٢٤٤).
(٢) في ر: "والله".
(٣) في ر، أ: "وللأبوين".
(٤) في جـ، ر، أ: "كما أن".
(٥) زيادة من ر.
(٦) في جـ، ر، أ: "وهو".
﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: وَلَكُمْ -أَيُّهَا الرِّجَالُ-نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِذَا مُتْن عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ [وَصِيَّةٍ] (١) يُوصِينَ بِهَا أَوْ دِينٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَبَعْدَهُ الْوَصِيَّةُ ثُمَّ الْمِيرَاثُ، وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَحُكْمُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ وَإِنْ سَفُلُوا حُكْمُ أَوْلَادِ الصُّلْبِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ] (٢) ﴾ إِلَخْ، وَسَوَاءٌ فِي الرُّبُعِ أَوِ الثُّمُنِ الزَّوْجَةُ والزوجتان الاثنتان والثلاث والأربع يشتركن (٣) فيه.
(٢) زيادة من جـ، ر، أ.
(٣) في أ: "يشتركون".