وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا، حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا حَجَّاج، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عِكْرمة فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الْآيَةَ] (١) قال: نزلت في أبي قيس ابن الْأَسْلَتِ، خُلِّفَ عَلَى أُمِّ عُبَيْدِ (٢) اللَّهِ بِنْتِ صَخْرٍ (٣) وَكَانَتْ تَحْتَ الْأَسْلَتِ أَبِيهِ، وَفِي الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفَ، وَكَانَ خَلَفَ عَلَى ابْنَةِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ العُزّى بْنِ عُثمان بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِيهِ خَلَف، وَفِي فاخِتَة ابْنَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، كَانَتْ عِنْدَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَف، فخُلِّف عَلَيْهَا صفوان ابن أُمَيَّةَ (٤).
وَقَدْ زَعَمَ السُّهيلي أَنَّ نِكَاحَ نِسَاءِ الْآبَاءِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ كَمَا قَالَ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ قَالَ: وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ كِنَانة بْنُ خُزَيْمَةَ، تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، فَأَوْلَدَهَا ابْنَهُ النضْر بْنَ كِنَانَةَ قَالَ: وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وُلِدتُ مِنْ نِكاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ". قَالَ: فَدَلَّ عَلَى أنَّه كَانَ سَائِغًا لَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ يَعُدُّونَهُ نِكَاحًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرَّمِيُّ (٥) حَدَّثَنَا قُرَاد، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمون مَا حَرَّمَ اللَّهُ، إِلَّا امْرَأَةَ الْأَبِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ﴾ وَهَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ. وَلَكِنْ فِيمَا نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ مِنْ قِصَّةِ كِنَانَةَ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُوَ حَرَامٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، مُبَشَّع غَايَةَ التَّبَشُّعِ (٦) وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا﴾ وَلِهَذَا قَالَ (٧) [تَعَالَى] (٨) ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٥١] وَقَالَ ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٢] فَزَادَ هَاهُنَا: ﴿وَمَقْتًا﴾ أَيْ: بُغْضًا، أَيْ هُوَ أَمْرٌ كَبِيرٌ فِي نَفْسِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى مَقْتِ الِابْنِ أَبَاهُ بَعْدَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَتِهِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ يُبْغِضُ مَنْ كَانَ زَوْجَهَا قَبْلَهُ؛ وَلِهَذَا حُرِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتٌ، لِكَوْنِهِنَّ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَالْأَبِ [لِلْأُمَّةِ] (٩) بَلْ حَقُّهُ أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ الْآبَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ حُبُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حُبِّ النُّفُوسِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عَطاء بْنُ أَبِي رَباح فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَقْتًا﴾ أَيْ: يَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿وَسَاءَ سَبِيلا﴾ أَيْ: وَبِئْسَ طَرِيقًا لِمَنْ سَلَكَهُ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ تَعَاطَاهُ بَعْدَ هَذَا فَقَدِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ، فَيُقْتَلُ، وَيَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ. كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ خَالِهِ أَبِي (١٠) بُرْدَةَ -وَفِي رِوَايَةِ: ابْنِ عُمَرَ-وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْم، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب قال:
(٢) في أ: "عبد".
(٣) في جـ، ر، أ: "ضمرة".
(٤) تفسير الطبري (٨/١٣٣).
(٥) في أ: "المحرمي".
(٦) في ر: "التبشيع".
(٧) في جـ، ر، أ: "وقد قال".
(٨) زيادة من ر.
(٩) زيادة من أ.
(١٠) في ر: "أبو" وهو خطأ.