وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعة، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ -يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ-عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ، وَقَدْ وَلَدَتْ لِي، فوجِدْت عَلَيْهَا، فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَالَكَ؟ فَقُلْتُ: تُوُفِّيَتِ الْمَرْأَةُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَهَا ابْنَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَهِيَ بِالطَّائِفِ. قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِكَ؟ قُلْتُ: لَا هِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ: فَانْكِحْهَا. قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (١) ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ قَالَ: إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حجْرك، إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِكَ.
هَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ وَأَصْحَابُهُ. وَحَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَحَكَى لِي شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ عَرَض هَذَا عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَاسْتَشْكَلَهُ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (٢).
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا الْأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ: ﴿اللاتِي فِي حُجُورِكُم﴾ قَالَ: فِي بُيُوتِكُمْ.
وَأَمَّا الرَّبِيبَةُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئلَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا (٣) مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ تُوطَأُ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا جَمِيعًا. يُرِيدُ أَنْ أطَأهُمَا جَمِيعًا بِمِلْكِ يَمِينِي. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَقَالَ سُنَيد بْنُ دَاوُدَ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا مَمْلُوكِينَ (٤) لَهُ؟ فَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَلَمْ (٥) أَكُنْ لِأَفْعَلَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَر بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أنَّه لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا (٦) مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، قَالَ: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ﴾ وَمِلْكُ الْيَمِينِ هُمْ (٧) تَبَعٌ لِلنِّكَاحِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَلَا مَنْ تَبِعَهُمْ. وَرَوَى (٨) هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ: بِنْتُ الرَّبِيبَةِ وَبِنْتُ ابْنَتِهَا لَا تَصْلُحُ وَإِنْ كَانَتْ أَسْفَلَ بِبُطُونٍ كَثِيرَةٍ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ أَيْ: نَكَحْتُمُوهُنَّ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: هُوَ أَنْ تُهْدَى إِلَيْهِ فَيَكْشِفُ وَيُفَتِّشُ وَيَجْلِسُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا. قَالَ: هُوَ سَوَاءٌ، وحسبه قد حرم ذلك عليه ابنتها.

(١) زيادة من أ.
(٢) بدائع الفوائد (١/٥٣).
(٣) في أ: "وربيبتها".
(٤) في جـ، ر، أ: "مملوكتين".
(٥) في جـ، أ: "فلم".
(٦) في أ: "وبنتها".
(٧) في جـ، ر، أ: "عندهم".
(٨) في ر، أ: "قال".


الصفحة التالية
Icon