وَجَلَّ] (١) ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ يَعْنِي: فِي النِّكَاحِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ (٢) بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَحْرُمُ مِنَ الْإِمَاءِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْحَرَائِرِ إِلَّا الْعَدَدَ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ مَثَلُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُثْمَانَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالْحِجَازِ وَلَا بِالْعِرَاقِ وَلَا مَا وَرَاءَهُمَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَلَا بِالشَّامِ وَلَا الْمَغْرِبِ، إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ ونَفْي الْقِيَاسِ، وَقَدْ تَرَكَ مَنْ يَعْمَلُ ذَلِكَ (٣) مَا اجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ، وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ، كَمَا لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ [تَعَالَى] (٤) ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ [وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ] (٥) ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ: أَنَّ النِّكَاحَ وَمِلْكَ (٦) الْيَمِينِ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا وَقِيَاسًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ. وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ، وَهُمُ الْحُجَّةُ الْمَحْجُوجُ بِهَا مَنْ خَالَفَهَا وَشَذَّ عَنْهَا، وَاللَّهُ الْمَحْمُودُ (٧).
وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٨) ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أَيْ: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمُ الْأَجْنَبِيَّاتُ الْمُحْصَنَاتُ وهي الْمُزَوَّجَاتُ ﴿إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يَعْنِي: إِلَّا مَا (٩) مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَكُمْ وَطْؤُهُنَّ إِذَا اسْتَبْرَأْتُمُوهُنَّ، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ -هُوَ الثَّوْرِيُّ-عَنْ عُثْمَانَ البَتِّي، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا نِسَاءً (١٠) مِنْ سَبْيِ أَوْطَاسَ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هذه الآية: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [قَالَ] (١١) فَاسْتَحْلَلْنَا فُرُوجَهُنَّ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ هُشَيم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الخليل، عن أبي سعيد، به (١٢).

(١) زيادة من ر.
(٢) في جـ، أ: "وروى عن أحمد" وفي ر: "وروى أحمد".
(٣) في جـ، أ: "ذلك ظاهرا".
(٤) زيادة من جـ، ر، أ.
(٥) زيادة من جـ، ر، أ.
(٦) في جـ، ر، أ: "يملك".
(٧) الاستذكار لابن عبد البر (١٦/ ٢٥٠-٢٥١).
(٨) زيادة من أ.
(٩) في أ: "يعنى الإماء".
(١٠) في أ: "سبيًا".
(١١) زيادة من جـ، أ.
(١٢) تفسير عبد الرزاق (١/١٥٣) وسنن الترمذي برقم (٣٠١٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٩٧) وصحيح مسلم برقم (١٤٥٦) وتفسير الطبري (٨/١٥٣).


الصفحة التالية
Icon