الْحَرْثِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَرَفَعَهُ ابْنُ مَرْدويه فِي تَفْسِيرِهِ (١).
وَقَوْلُهُ: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ فِي التَّطَهُّرِ (٢) بِهِ، لَا أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ، بَلْ يَكْفِي مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنِ (٣) اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ عَلَى أَقْوَالٍ.
أَحَدُهَا -وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ-: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ بِضَرْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْيَدَيْنِ يَصْدُقُ إِطْلَاقُهُمَا عَلَى مَا يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ، وَعَلَى مَا يَبْلُغُ الْمِرْفَقَيْنِ، كَمَا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِمَا مَا يَبْلُغُ الْكَفَّيْنِ، كَمَا فِي آيَةِ السَّرِقَةِ: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [الْمَائِدَةِ: ٣٨] قَالُوا: وَحَمْلُ مَا أُطْلِقَ هَاهُنَا عَلَى مَا قُيِّدَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ أَوْلَى لِجَامِعِ (٤) الطَّهُورِيَّةِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ". وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِي أَسَانِيدِهِ ضُعَفَاءُ لَا يَثْبُتُ الْحَدِيثُ بِهِمْ (٥) وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -فِي حَدِيثٍ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسْحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا ذِرَاعَيْهِ.
وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ العَبْدي، وَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الثِّقَاتِ فَوَقَفُوهُ عَلَى فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ عَدِي: هُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ مُنْكَرٌ (٦) (٧).
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الحويرث عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ الصَّمَّة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ. (٨)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا نَعِيمُ بْنُ حَمَّاد، حَدَّثَنَا خارجةُ بْنُ مُصْعب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ موسى بن عُقْبة، عن الأعرج، عن أبي جُهيم (٩) قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْحَائِطِ (١٠) فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَيْهِ، فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ فَمَسَحَ بِهِمَا يَدَيْهِ إلى المرفقين، ثم رد علي السلام (١١).

(١) ورواه الشيرازي في الألقاب كما في الدر المنثور للسيوطي (٢/٥٥١).
(٢) في ر: "الطهر".
(٣) في أ: "واختلف".
(٤) في أ: "بجماع".
(٥) سنن الدارقطني (١/١٨٠) من طريق عبد الله بن الحسين عن عبد الرحيم بن مطرف عن علي بن ظبيان عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر، به. ثم قال: "كذا رواه علي بن ظبيان مرفوعًا، ووقفه يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما، وهو الصواب".
(٦) في ر، أ: "غير منكر".
(٧) سنن أبي داود برقم (٣٣١).
(٨) الأم للشافعي (١/٤٢).
(٩) في أ: "جهيمة".
(١٠) في أ: "حائط".
(١١) تفسير الطبري (٨/٤١٦).


الصفحة التالية
Icon