تُجِيرُ؟ فَاسْتَبَّا وَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَازَ أَمَانَ عَمَّارٍ، وَنَهَاهُ أَنْ يُجِيرَ الثَّانِيَةَ عَلَى أَمِيرٍ. فَاسْتَبَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَتْرُكُ هَذَا الْعَبْدَ الْأَجْدَعَ يَسُبُّني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا خَالِدُ، لَا تَسُبَّ عَمَّارًا، فَإِنَّهُ مَنْ يَسُبُّ عَمَّارًا يَسُبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يُبْغِضْهُ يُبْغِضْهُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ عَمَّارًا يَلْعَنْهُ اللَّهُ" (١) فَغَضِبَ عَمَّارٌ فَقَامَ، فَتَبِعَهُ خَالِدٌ حَتَّى أَخَذَ بِثَوْبِهِ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَرَضِيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَهُ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَنِ السُّدِّيِّ، مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ ابن مردويه من رواية الحكم (٢) بن ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ (٣) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: ﴿وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ يَعْنِي: أَهَّلَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ: ﴿وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ يَعْنِي: الْعُلَمَاءُ. وَالظَّاهِرُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنَّ الْآيَةَ فِي جَمِيعِ (٤) أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦٣] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النَّحْلِ: ٤٣] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدَ عَصَا اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَا أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" (٥).
فَهَذِهِ أَوَامِرٌ بِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ أَيْ: اتَّبِعُوا كِتَابَهُ ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أَيْ: خُذُوا بِسُنَّتِهِ ﴿وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ أَيْ: فِيمَا أَمَرُوكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي مرابة، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" (٦).
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَيْ: إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ.
وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَنَازَعَ النَّاسُ (٧) فِيهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ أَنْ يَرُدَّ التَّنَازُعَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشُّورَى: ١٠] فَمَا حَكَمَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَشَهِدَا لَهُ بِالصِّحَّةِ فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أَيْ: ردوا الخصومات والجهالات
(٢) في ر: "الحاكم".
(٣) تفسير الطبري (٨/٤٩٨)
(٤) في ر، أ: "كل".
(٥) رواه البخاري في صحيحه برقم (٧١٣٧)، ومسلم في صحيحه برقم (١٨٣٥).
(٦) المسند (٤/٤٢٦).
(٧) في د: "المسلمون".