حَشيشها، كَمَا ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ (١) فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وإذَا استَنْفَرْتُمْ فَانْفِرُوا"، وَقَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: "إنَّ هَذَا الْبَلَدَ (٢) حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحرمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَد شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقطْ لُقَطتَه إِلَّا مَنْ عَرَّفها، وَلَا يُخْتَلى خَلاها (٣) فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذْخَرَ، فَإِنَّهُ لقَيْنهم ولبُيوتهم، فَقَالَ: "إِلَّا الإذْخَر" (٤).
وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ (٥) وَلَهُمَا وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَن أَبِي شُرَيح العَدوي أَنَّهُ قَالَ لعَمْرو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مكةَ: ائذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أَنْ أُحدِّثك قَولا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمعَتْه أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إنَّ مَكِّةَ حَرَّمَهَا اللهُ ولَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامرئ يُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، ولا يَعْضد بِهَا شَجَرةً، فَإنْ أحَد تَرخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إنَّ اللهَ أذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وإنَّمَا أذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأمْسِ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهدُ الغائِبَ" فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيح: ما قال لك عَمْرو؟ قال: أنا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الحَرَم لَا يُعيذ عَاصِيًا وَلَا فَارا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بخَزْيَة (٦) (٧).
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "لَا يَحِلُّ لأحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ" (٨) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، وَهُوَ وَاقِفٌ بالحَزْوَرَة فِي سُوقِ مَكَّةَ: "واللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أرْضِ اللهِ، وأحَبُّ أرْضِ اللهِ إلَى اللهِ، ولَوْلا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ".
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (٩) وَكَذَا صَحَّح مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ (١٠) وَرَوَى أَحْمَدُ عن أبي هريرة، نحوه (١١).
(٢) في أ، و: "البيت".
(٣) في ر: "خلالها".
(٤) صحيح البخاري برقم (١٨٣٤) وصحيح مسلم برقم (١٣٥٣).
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٤٣٤)، وصحيح مسلم برقم (١٣٥٥).
(٦) في أ:" بخرمة".
(٧) صحيح البخاري برقم (١٨٣٢) وصحيح مسلم برقم (١٣٥٤).
(٨) صحيح مسلم برقم (١٣٥٦).
(٩) المسند (٤/٣٠٥) وسنن الترمذي برقم (٣٩٢٥) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٤٢٥٤) وسنن ابن ماجة برقم (٣١٠٨).
(١٠) سنن الترمذي برقم (٣٩٢٦) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".
(١١) المسند (٤/٣٠٥).