عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ يَهْرُبُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ.
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ (١) أَنَسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ أَنْ يُنْفَى مِنْ بَلَدِهِ (٢) إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، أَوْ يُخْرِجُهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ مُعَامَلَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَنْفِيهِ -كَمَا قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ-مِنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: يُنْفَى مِنْ جُنْد إِلَى جُنْدٍ سِنِينَ، وَلَا يُخْرَجُ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ.
وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: إِنَّهُ يُنْفَى وَلَا يُخْرَجُ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ هَاهُنَا السِّجْنُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ هَاهُنَا: أَنْ يُخْرُجَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَيُسْجَنَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَمِنْ صَلْبِهِمْ، وَقَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ مِنْ خِلَافٍ، وَنَفْيِهِمْ -خزْي لَهُمْ بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، مَعَ مَا ادَّخَرَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا قَدْ يَتَأَيَّدُ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: أَلَّا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا: وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِي، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا يَعْضَه (٣) بَعْضُنَا بَعْضًا، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فأمْرُه إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ (٤)
وَعَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (٥) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا، فَعُوقِبَ بِهِ، فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ، فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ".
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "حَسَنٌ غَرِيبٌ". وَقَدْ سُئِلَ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، قَالَ: وَرَفْعُهُ صَحِيحٌ. (٦)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا﴾ يَعْنِي: شَرٌّ وعَارٌ ونَكَالٌ وَذِلَّةٌ وَعُقُوبَةٌ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، ﴿وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أَيْ: إِذَا لَمْ يَتُوبُوا مِنْ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى هَلَكُوا -فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْجَزَاءِ الَّذِي جَازَيْتُهُمْ (٧) بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعُقُوبَةِ الَّتِي عَاقَبَتْهُمْ (٨) بِهَا فيها (٩) - ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ يعني: عذاب جهنم.

(١) في ر: "عن".
(٢) في ر: "بلد".
(٣) في ر: "يغتب"، وفي أ: "تغتب".
(٤) صحيح مسلم برقم (١٧٠٩).
(٥) زيادة من أ.
(٦) المسند (١/٩٩) وسنن الترمذي برقم (٢٦٢٦) وسنن ابن ماجة برقم (٢٦٠٤) والعلل للدارقطني (٣/١٢٩).
(٧) في أ: "جازاهم".
(٨) في أ: "عاقبهم".
(٩) في ر، أ: "في الدنيا".


الصفحة التالية
Icon