ألَمْ تَقْتُلا الحرْجَين إِذْ أَعْوَرَا لَكُمْ | يمرَّان الأيدي اللَّحاء المُضَفَّرا (١) |
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ قَرَأَ: "أَنْ صَدُّوكُمْ" بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ "أَنْ" وَمَعْنَاهَا ظَاهِرٌ، أَيْ: لَا يَحَمِّلَنَكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ قَدْ كَانُوا صَدُّوكُمْ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا [فِي] (٢) حُكْمِ اللَّهِ فِيكُمْ (٣) فَتَقْتَصُّوا مِنْهُمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، بَلِ احْكُمُوا بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعَدْلِ فِي كُلِّ أَحَدٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [الْمَائِدَةِ: ٨] أَيْ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضِ أَقْوَامٍ عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ، فَإِنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فِي كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا عاملتَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ، وَالْعَدْلُ بِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَهْل بْنُ عُثْمَانَ (٤) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَأَصْحَابُهُ حِينَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَقَدِ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَمَرَّ بِهِمْ أُنَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ، فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَصُدُّ (٥) هَؤُلَاءِ كَمَا صَدَّنَا أَصْحَابُهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (٦).
وَالشَّنَآنُ هُوَ: الْبُغْضُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ شنَأته أَشْنَؤُهُ شَنَآنًا، بِالتَّحْرِيكِ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: جَمَزَان، ودَرَجَان ورَفَلان، مِنْ جَمَزَ، وَدَرَجَ، وَرَفَلَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُسْقِطُ التَّحْرِيكَ فِي شَنَآنِ، فَيَقُولُ: شَنَّانِ. قَالَ: وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَرَأَ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ (٧) :
ومَا العيشُ إِلَّا مَا تُحبُّ وتَشْتَهي (٨) وَإنْ لامَ فِيهِ ذُو الشنَّان وفَنَّدَا...
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَهُوَ الْبَرُّ، وَتَرْكِ الْمُنْكِرَاتِ وَهُوَ التَّقْوَى، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التناصر على الباطل.
(١) في ر: "للحاء المضفرا".
(٢) زيادة من د.
(٣) في د، أ: "فيهم".
(٤) في أ: "سهل بن عفان".
(٥) في ر، أ: "قصد"
(٦) وذكره الواحدي في أسباب النزول ولم يسنده
(٧) هو الأحوص بن محمد الأنصاري، والبيت في تفسير الطبري (٩/٤٨٧).
(٨) في د: "إلا ما يحب ويشتهي
(٢) زيادة من د.
(٣) في د، أ: "فيهم".
(٤) في أ: "سهل بن عفان".
(٥) في ر، أ: "قصد"
(٦) وذكره الواحدي في أسباب النزول ولم يسنده
(٧) هو الأحوص بن محمد الأنصاري، والبيت في تفسير الطبري (٩/٤٨٧).
(٨) في د: "إلا ما يحب ويشتهي