ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ:
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مقْسَم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ قَالَ: إِذَا أَصَابَ المحرمُ الصيدَ حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنَ النَّعَمِ، فَإِنْ وَجَدَ جَزَاءَهُ، ذَبَحَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَظَرَ كَمْ ثَمَنُهُ، ثُمَّ قُوّم ثَمَنُهُ طَعَامًا، فَصَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، قَالَ: ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصِّيَامُ، أَنَّهُ إِذْ وُجِدَ الطَّعَامُ وُجِدَ جَزَاؤُهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ إِذَا (١) قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ، حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ. فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ تُذْبَحُ بِمَكَّةَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَإِنْ قَتَلَ إبِلا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا. وَإِنَّ قَتَلَ نَعَامَةً أَوْ حمارَ وَحْشٍ أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنَ الْإِبِلِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَزَادَ: وَالطَّعَامُ مُدٌّ مُدّ تشبَعهم. (٢)
وَقَالَ جَابِرٌ الجُعْفي، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ قَالُوا: إِنَّمَا الطَّعَامُ لِمَنْ لَا يَبْلُغُ الْهَدْيَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَكَذَا رَوَى ابْنُ جُرَيْج عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّي أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ -فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ-وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِي: هِيَ عَلَى الْخِيَارِ. وَهُوَ رِوَايَةُ اللَّيْثِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ أَيْ: أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِيَذُوقَ عُقُوبَةَ فِعْلِهِ الَّذِي ارْتَكَبَ فِيهِ الْمُخَالَفَةَ ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾ أَيْ: فِي زَمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِمَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَاتَّبَعَ شَرْعَ اللَّهِ، وَلَمْ يَرْتَكِبِ الْمَعْصِيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿َ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ أَيْ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَبُلُوغِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إِلَيْهِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
قَالَ ابْنُ جُرَيْج، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾ قَالَ: عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ﴿َ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ ؟ قَالَ: وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ قَالَ: قُلْتُ: فَهَلْ فِي الْعَوْدِ حَدُّ تَعْلَمُهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قُلْتُ: فَتَرَى حَقًّا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَهُ؟ قَالَ:

(١) في ر: "فإذا".
(٢) في ر: "شبعهم".


الصفحة التالية
Icon