ثُمَّ قَالَ: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ أَيْ: مَنْ أَعْظَمُ الْأَشْيَاءِ [شَهَادَةً] (١) ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أَيْ: هُوَ الْعَالِمُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، وَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ لِي: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ أَيْ: وَهُوَ نَذِيرٌ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هُودٍ: ١٧].
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ [قَالَ] (٢) مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَكَأَنَّمَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -زَادَ أَبُو خَالِدٍ: وكَلّمه.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَقَدْ أَبْلَغَهُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِ اللَّهِ، فَمَنْ بَلَغَتْهُ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ بَلَغه أَمْرُ اللَّهِ".
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: حَقٌّ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ كَالَّذِي دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يُنْذِرَ كَالَّذِي أَنْذَرَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ﴾ [أَيْ] (٣) أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ ﴿أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٥٠]، ﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾
ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ هَذَا الَّذِي جِئْتَهُمْ (٤) بِهِ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ، بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْأَنْبَاءِ عَنِ الْمُرْسَلِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ الرُّسُلَ كُلَّهُمْ بَشَّروا بِوُجُودِ مُحَمَّدٍ (٥) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِبَعْثِهِ (٦) وَصِفَتِهِ، وَبَلَدِهِ ومُهَاجَرِه، وَصِفَةِ أُمَّتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ أَيْ: خَسِرُوا كُلَّ الْخَسَارَةِ، ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بِهَذَا الْأَمْرِ الْجَلِيِّ الظَّاهِرِ الَّذِي بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَنَوَّهَتْ بِهِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ أَيْ: لَا أَظْلَمُ مِمَّنْ تَقَوَّل (٧) عَلَى اللَّهِ، فَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَرْسَلَهُ، ثُمَّ لَا أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ وَدَلَالَاتِهِ، ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ أَيْ: لَا يُفْلِحُ هَذَا وَلَا هذا، لا المفتري ولا المكذب.
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) زيادة من م.
(٤) في أ: "جئتكم".
(٥) في م: "النبي".
(٦) في أ: "وبنعته".
(٧) في م: "يقول".