وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ أَيْ: مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالْأَنْعَامِ، فَكُلُّهَا خَلَقَهَا اللَّهُ [تَعَالَى] (١) وَجَعَلَهَا رِزْقًا لَكُمْ، ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ أَيْ: طَرَائِقَهُ وَأَوَامِرَهُ، كَمَا اتَّبَعَهَا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ حَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، أَيْ: مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، ﴿إِنَّهُ لَكُمْ﴾ أَيْ: إِنَّ الشَّيْطَانَ -أَيُّهَا النَّاسُ -لَكُمْ ﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أَيْ: بَيِّن ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فَاطِرٍ: ٦]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾ الْآيَةَ، [الْأَعْرَافِ: ٢٧]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾ [الْكَهْفِ: ٥٠]. والآيات في هذا كثيرة في القرآن.

(١) زيادة من م، أ.

﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤) ﴾
وَهَذَا بَيَانٌ لِجَهْلِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِيمَا كَانُوا حَرّموا مِنَ الْأَنْعَامِ، وَجَعَلُوهَا أَجْزَاءً وَأَنْوَاعًا: بَحِيرَةً، وَسَائِبَةً، وَوَصِيلَةً وَحَامًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا فِي الْأَنْعَامِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، فَبَيَّنَ (١) أَنَّهُ تَعَالَى أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ، وَأَنَّهُ أَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا. ثُمَّ بَيَّنَ أَصْنَافَ الْأَنْعَامِ إِلَى غَنَمٍ وَهُوَ بَيَاضٌ وَهُوَ الضَّأْنُ، وَسَوَادٌ وَهُوَ الْمَعِزُ، ذَكَرُهُ وَأُنْثَاهُ، وَإِلَى إِبِلٍ ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا، وَبَقَرٍ كَذَلِكَ. وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَيْئًا مِنْ أَوْلَادِهِ. بَلْ كُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ لِبَنِي آدَمَ، أَكْلًا وَرُكُوبًا، وَحَمُولَةً، وَحَلْبًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (٢) ﴿وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ الْآيَةَ [الزُّمَرِ: ٦].
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ﴾ رَدٌ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾
وَقَوْلُهُ: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَيْ: أَخْبِرُونِي عَنْ يَقِينٍ: كَيْفَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (٣) مَا زَعَمْتُمْ تَحْرِيمَهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟
وَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجٍ، ﴿وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ﴾ يَقُولُ: لَمْ أُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ﴿ [أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ] ﴾
(١) في أ: "وبين".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في م، أ: "عليهم".


الصفحة التالية
Icon